انتخابات إيران: زلزال.. أم عاصفة عابرة؟

TT

مع الإعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات المزدوجة التي جرت في الأسبوع الماضي، من الواضح أن الناخبين تسببوا في أول هزيمة سياسية مهمة للرئيس الراديكالي المتطرف أحمدي نجادي.

وعلى لرغم من بعض محاولات «تلميع الانتخابات»، فمن الواضح أن الناخبين أرادوا توجيه ملاحظة إلى احمدي نجاد حول قلقهم بخصوص سياسته الداخلية الشعبية واستراتيجية المقامرة الخارجية.

وأول وأهم الانتخابات تتعلق باختيار 86 رجل دين لتشكيل مجلس الخبراء الجديد، الذي يتولى مهمة انتخاب، وإذا لزم الأمر، طرد «المرشد الأعلى». وبما أن «المرشد الأعلى» يحتفظ بسلطات مطلقة تقريبا طبقا للدستور الإسلامي، فإن العديد من المحللين يعترونه مصدر القوة الحقيقية في النظام الخميني.

ويمكن أن ينتخب مجلس الخبراء الجديد، الذي تستمر مدته 8 سنوات، «المرشد الأعلى» الجديد قبل نهاية مدته عام 2014. ويتردد أن صحة «المرشد الحالي» علي خامئني، بالرغم من أن عمره 66 سنة، تتدهور بحيث يمكن أن تجبره على الاستقالة في وقت ما.

وقبل انتخابات الاسبوع الماضي، كانت إمكانية نهاية قريبة لوظيفة خامئني كـ«مرشد أعلى» موضوعا ساخنا في الدوائر السياسية الإيرانية. وكأن هناك الشعور بأن الرئيس احمدي نجاد، الذي يمثل جيلا جديدا من الثوار الراديكاليين لديه خبرة أمنية وعسكرية، ينوى السيطرة على مجلس الخبراء واستخدامه لاستبدال خامئني بمرشده الروحي الخاص آية الله محمد تقي مصباح يزدي. وكل ما كان يحتاجه تطبيق مشروع احمدي نجاد المزعوم هو تغيير 17 لصالحه في مجلس الخبراء.

وبسبب الطبيعة المبهمة للسياسة الإيرانية، تصعب معرفة اعتماد تلك الرواية حول صراع القوى في طهران على الحقيقة. ولكن مما لا شك فيه أن أجندة احمدي نجاد أكثر راديكالية بكثير من تلك التي يتبعها خامئني منذ عام 1989 عندما تم اختياره «مرشدا أعلى».

إلا أنه من الواضح أن أحمدي نجاد فشل في ضمان 17 معقدا تردد أنه كأن يحتاجها للسيطرة على مجلس الخبراء. الأسوأ من ذلك فإن جناحه الراديكالي المتطرف تعرض لإهانات أخرى. فقد أتى مرشده مصباح يزدي في ذيل قائمة المنتخبين طهران، بينما فشل آية الله حسين قروي، زعيم جناح احمدي نجاد في اقليم خراسان، حيث تقع مدينة مشهد الدينية في الحصول على مقعد. إلا أن أسوأ ضربة لخامئني كانت انتخاب الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني وهو رجل دين/ أعمال فاز عليه في الانتخابات الرئيسية عام 2005.

ورفسنجاني، الذي جرى التكهن بنهايته قبل الأوان في مناسبات كثيرة، لم ينتخب فقط إلى مجلس الخبراء، وإنما أيضا جاء في قمة القائمة في طهران. وباعتباره العائد في المشهد السياسي الإيراني، فإن رفسنجاني هو أيضا الرجل الذي يتطلع إليه الأوروبيون لقيادة إيران، بعيدا عن الطريق الثوري الراديكالي الذي يختطه أحمدي نجاد.

غير أن الفائز الحقيقي في انتخابات مجلس الخبراء هو خامنئي. فبوسعه الاعتماد على كتلة قوية تضم 40 مقعدا يحتلها حلفاؤه، بينما الطرفان المنافسان اللذان يقودهما على التوالي أحمدي نجاد ورفسنجاني لن يكونا في موقع يؤهلهما لتشكيل أغلبية ضده. وبممارسة لعبة طرف ضد آخر من المحتمل أن يبقى خامنئي المقرر النهائي في السياسة الإيرانية لفترة أخرى.

وكأن آية الله الخميني، قد قارن النظام الذي أوجده، بالطير الذي يحتاج إلى جناحين يطير بهما. وتبدو محاولة احمدي نجاد قص أحد الجناحين وقد أخفقت، كما اخفق رفسنجاني في قص الجناح الآخر في سنوات التسعينات، عندما كان رئيسا.

غير أن صراع السلطة في طهران بعيد عن نهايته. ففي الانتخابات الأخرى، التي أجريت لاختيار المجالس البلدية في عموم البلاد، فإن الطرف الراديكالي المتطرف الذي يقوده أحمدي نجاد حقق نتائج أفضل. وارتباطا بتأكيد ما يزيد على 90 في المائة من النتائج، يبدو أن احمدي نجاد وحلفاءه الذين يقفون في قوائم مستقلة، وقد هيمنوا على المجالس في 27 من 30 محافظة، حيث حصلوا على ما يقرب من 73 في المائة من الأصوات على المستوى الوطني.

أما الطرف المحافظ، الذي يقوده رفسنجاني وداعماه الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي، فقد حصل على 18 في المائة من الأصوات على المستوى الوطني وهيمن في محافظتين. أما طهران، الأكبر من حيث السكان، فقد فازت فيها مجموعة منشقة عن جماعة احمدي نجاد، يقودها محمد باقر قاليباف رئيس بلدية العاصمة المنتهية ولايته.

والضربة التي يواجهها أحمدي نجاد هي أساسا ظاهرة تخص طهران. فالعاصمة، التي تضم ما يقرب من 15 مليون نسمة، هي معقل الطبقات الوسطى التي تخشى من خطاب الرئيس المثير للفتن وصياغاته المزعومة حول «صدام الحضارات» الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب.

والسبب الرئيسي في هزيمة أحمدي نجاد في طهران ومدن كبيرة أخرى، هو المشاركة العالية غير المتوقعة التي قدرتها وزارة الداخلية بأنها تجاوزت 47 في المائة. ففي طهران، على سبيل المثال، لم يصوت في الانتخابات السابقة أكثر من 700 ألف. أما في هذه المرة فقفز الرقم إلى ما يزيد على مليونين، من اصل ما يقرب من خمسة ملايين من المؤهلين للانتخاب. ووفقا لتقارير صحافية وشهود عيان في طهران فإن معظم الناخبين الجدد كانوا من الشباب ورجال ونساء الطبقة الوسطى ذوي الميول الغربية ممن لم يخفوا تصميمهم على توجيه ضربة لأحمدي نجاد.

ويعتبر التصويت في الانتخابات الإيرانية إشكالا دائما. وهذا يعود إلى أن المرشحين بحاجة إلى تزكية مقدما. وهذا ما يمنع عددا كبيرا من السكان من ترشيح أنفسهم. كذلك فإن النتائج يجب الموافقة عليها من 12 رجل دين يمتلكون حق حذف اسم أي فائز، وغالبا ما يكون ذلك بشكل غير شرعي. مع ذلك فإن الكثير من الإيرانيين على قناعة من أنه حتى مع محدودية هذا النظام، فإنه قادر على توفير الفرص للتأثير على توازن القوى ضمن الطبقة الحاكمة.

بدون شك، هذا ما فعله الناخبون الإيرانيون على الأقل بالنسبة لانتخابات مجلس الخبراء. والسؤال المطروح الآن هو فيما إذا كان خامنئي سيحاول أن يحجم الرئيس الإيراني المتشدد.

قد يمثل رفسنجاني، الذي هو ربما أغنى رجل في إيران، المخاوف بين أبناء الطبقة الوسطى والعليا التي ترى الاقتصاد على حافة الانهيار، مع تجمد البزنس منذ انتخاب أحمدي نجاد. لكنه من الصعب تصور أن جناح رفسنجاني قادر على القيام بشيء ما ضد الإدارة التي تدير وتبقي الاساس الذي تقف عليه بين الفئات الفقيرة من سكان المدن، وتبقى شعبية ضمن فئات ما زالت تؤمن بالثورة الإيرانية.

كذلك فإن قياس مدى تأثير نتائج انتخابات مجلس الخبراء على السياسة الخارجية لأحمدي نجاد عسير للغاية. فرفسنجاني وأنصاره لا يمتلكون الأدوات للتأثير في هذا المجال. لكنهم قادرون على بناء الجسور ما بين الاتحاد الأوروبي وخامنئي وإقناع الاخير كي يقدم على الأقل بعض التنازلات المطلوبة لنزع فتيل الازمة حول طموحات إيران النووية المزعومة.

مع ذلك، فإن تلك الإمكانية قد تجبر أحمدي نجاد على رفع درجة حرارة خطاباته النارية أكثر، وتبني أسلوب أكثر حدة لمنع تحقق أي اتفاق يتأتي بفضل وساطة الاتحاد الأوروبي.

ومثلما هو الحال مع السياسة الإيرانية تحت الخمينية، فإن الأخبار الطيبة تأتي عادة ممزوجة بقدر من الاخبار السيئة. فأحمدي نجاد جريح سياسي، حاليا لكنه ما زال حيا. وهذا حسبما يقول ماكيافيلي، يجعل الكائن السياسي في أكثر حالاته خطورة.