تقرير بيكر: هل يتحمل بوش جراحة الوشم؟

TT

يعتبر الوشم من التقاليد القديمة. ونشهد اليوم عودة كبيرة له، حيث راح أبناء الجيل الجديد يشمون معظم أجزاء بشرتهم. وفي بعض الحالات يشمون حتى رقابهم.

وعلى ذكر الوشم، فقد ذكر جلال الدين الرومي حكاية طريفة عن بطل يحمل وشم أسد على كتفيه، لكنه تاب بسبب الألم الذي زرعته الإبر على جسده. لكن شخصا آخر ذهب إلى الحلاق نفسه الذي وشم البطل، وقال له: ضع وشما لي واجعله فنيا. وحينما سأله الحلاق أي كائن يريد أن يوشم على كتفه. قال: «أريد أسدا غاضبا». لكنه حينما بدأ بخرز الإبرة في جسد الرجل ليرسم الأسد، بدأ الألم يتصاعد من الكتف.

تساءل الزبون تحت سطوة الألم: أي صورة تشكلت إلى الآن؟ فقال له الحلاق: أنا بدأت بالذيل. قال الرجل: الذيل غير مهم.

وحينما راح الحلاق برسم رأس الأسد، صاح زبونه وهو تحت وطأة ألم شديد: أي جزء أنت ترسم؟ أجابه الحلاق: الأذن. قال الرجل: دع الأسد بلا أذنين، وانزع عنه الفروة.

بدأ الغضب يغلي في عروق الحلاق. بعد ذلك بقليل وضع الإبر على الأرضية وسأل زبونه: من رأى أسدا بدون ذنب أو رأس أو بطن؟ حتى الله لم يخلق أسدا كهذا.

ويبدو أن جيمس بيكر وهاملتون شبيهين بالحلاق، وإدارة بوش أشبه بالبطل والتقرير هو صورة الأسد. ويتكون جسم التقرير من 79 عضوا! والآن يريد بيكر أن يوشم إدارة بوش وهذا ما يجعل الجميع يبكون بسبب آلام الوشم.

حينما قال بيكر إن تقريره ليس سَلَطَة فاكهة، فهو يعني أنه يجب أخذ كل مفرداته المترابطة بعضها ببعض. فمشكلة العراق لا يمكن حلها بدون مساعدة الدول المجاورة للعراق، ولا يمكن حلها بدون الانتباه للمليشيات في العراق، وبدون الالتفات إلى القضية الفلسطينية، وبدون إعادة النظر بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية.

ويعتبر تقرير بيكر نظرية مرشدة لعملية انه ليس دليلا سياحيا. انه يشبه مثلثا يجب ان يكون مجموع زواياه 180 درجة لا أقل ولا أكثر، وعندما يكون كل طرف يريد أكثر ما يمكن، فمن الواضح أن هذا الأسد سيكون من دون رأس ولا بطن.

وفي بداية التقرير يشار إلى أنه ليست هناك صيغة سحرية لحل مشكلة العراق. فالوضع في العراق يتدهور وليس هناك طريق يمكن أن يؤدي إلى النجاح. ولا يمكن توقع حصول معجزات. وتواجه الولايات المتحدة واحدا من أعقد وأصعب التحيات خلال عقود من الزمن.

ومن ناحية أخرى أعتقد إن تقرير بيكر يحاول إظهار صورة واقعية للعراق، البلد الذي يغرق في كوارث، حيث تم تهجير 1.6 مليون عراقي داخل البلاد، وما يصل إلى 1.8 مليون إلى الخارج. وهذا يعني أن كل العراقيين معنيون، بطريقة أو بأخرى، بكارثة التهجير.

ويعيش العراقيون بدون خدمات أساسية في الكثير من القطاعات وبينها الكهرباء ومياه الشرب وتصريف المياه والرعاية الصحية والتعليم وما إلى ذلك. ويزيد معدل التضخم على 50 في المائة، بينما تتراوح معدلات البطالة بين 20 إلى 60 في المائة.

ولكن بين الأسئلة هنا وعلى كثرتها، وبعد إقرار التقرير بالحرف بالقول: ولا يمكن توقع حصول معجزات! تكررت هذه الجملة في الصفحة الثانية والأربعين من التقرير. لماذا توجد هوة كبيرة جدا بين هذا التقرير وإدارة بوش؟ وما هو الخطأ؟

يقول هنري ستيل كاماغر في كتابه الكلاسيكي الموسوم (العقل الأميركي): ان الأميركي يرى الحاضر بعيون المستقبل. وأعتقد أن بيكر وهاملتون فعلا ما بوسعهما، وأشارا إلى أن الافتقار إلى فهم اللغة والثقافة هو العقبة الرئيسية لتمييز الكارثة العراقية. وعلى سبيل المثال فبين ألف من موظفي السفارة الأميركية هناك 33 فقط يتحدثون العربية، وستة من بينهم فقط ممن يتحدثونها بطلاقة.

وإذا ما أهملت إدارة بوش هذا التقرير فإن الغد سيكون متأخرا. وعندما غيّر فوكوياما رأيه وانتقد المحافظين الجدد قال إن عليهم أن يغيروا استراتيجيتهم في العراق. وفي الوقت الحالي أمام بوش وإدارته اقل من عامين لتغيير استراتيجيتهم. إنهم يواجهون مصاعب ومشاكل. فإسرائيل، على سبيل المثال، ضد التقرير وفقا لما قاله شيمون بيريز. والانسحاب من الجولان مستحيل. بل إن بعض الصحف الإسرائيلية انتقدت بيكر بسبب دوره في إدارة ريغان. فقد كان الشخصية الرئيسية التي حثت رونالد ريغان على الإصرار على بيع طائرات أواكس إلى المملكة العربية السعودية، قبل أكثر من 20 عاما، ولهذا فإن بيكر عدو لإسرائيل!

هذه هي آلام الوشم، ولكن التقرير ليس سَلَطة فاكهة.