شو عمبصير؟

TT

قد يبدو من الغريب أن يكون الاهتمام بالقضية اللبنانية وتفاصيلها الداخلية من سائر وسائل الاعلام العربية بدون استثناء وبهذا الشكل المكثف، والواقع أن لبنان هو حالة أنموذجية للواقع العربي، فهو البلد الذي جمع كافة مشاكل وتحديات واخفاقات العالم العربي في صورة واحدة. صراع الحاضر مع الماضي، الطائفية والعنصرية، العدل والفساد، التسلط والديمقراطية، الحرية والظلم، التحرر والرجعية، وغير ذلك من المفردات المتناقضة. وقد يبدو من المبالغة (وإن كان فيه جانب الدقة) القول بإن صلاح لبنان وسويته هو مدخل لاصلاح الكثير من مشاكل العالم العربي نفسه. فلبنان تحول اليوم الى «المطبخ» الرئيسي الذي يتم فيه جلب «المقادير» السياسية واعداد الطبخات والأكلات الرئيسية، ومن خلالها إما تصاب الجماهير العربية بحالات من الشبع واشباع الشهية أو التخمة والترهل، وفي حالات أخرى تصاب بالتسمم. فعلى الصعيد الديني تحول لبنان الى صراع وكلاء كل يدعي أن لديه الوكالة الحصرية للتحدث باسم الله، وأنه الممثل الشرعي له على الارض، وأن ماله حلال وطاهر ومال غيره ليس كذلك. أما على الصعيد السياسي فالكل يدعي استقلالية ونزاهة وأمانة ومصداقية، وأخشى أن بعض من يرددون هذه الكلمات لا يعرفون معناها الأساسي. كيف تحولت «فجأة» القضية اللبنانية الى القضية الأهم، وباتت أخبار المجازر في فلسطين والصومال وطبعا العراق تأخذ مراتب أقل في الاهتمام والتغطية، ويصبح الشغل الشاغل لأمين عام جامعة الدول العربية التحرك بشكل مكوكي بين أطراف النزاع اللبناني لانفاذ وتفعيل مبادرته، يدعمه فيه مستشار الرئيس السوداني الذي ترك بلاده عرضة للتدخل الاجنبي وأهتم بلبنان أولا! شيء ما يحدث في لبنان لا يمكن فهمه ولا تفسيره أو الاقتناع به. كل كلمة في لبنان لها ألف حساب، ويؤتى بعشرات المحللين السياسيين لتفسير نيات ومقاصد وغايات الساسة الذين ينطقون بها. فالذي يتلفظ هذه الايام بتهنئة أعياد الميلاد ويغفل عيد الاضحى يعد طائفيا والعكس صحيح، أما الذي يذكرهما معاً فهو وطني، ومن هذا المنطلق يبدو منطقيا أن تكون التغييرات المطلوبة في لبنان تراعي كافة العلل والمسائل، فالكل يجب أن يرحل أو الكل يبقى وأي تدخل مرفوض من أي جهة كانت.. هكذا يكون المنطق وهكذا يكون العدل والمطلب بغير ذلك هو ظلم بين.

لبنان هو الحالة الرومانسية الأكبر في حيز السياسة العربية، وتعلق العرب بلبنان آمن وسليم يتخطى أماني دبلوماسية ولكنها مطلب شخصي للملايين منهم. وفي هذه الايام وهم يرون لبنان ينحر نفسه سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، يبدو أن العرب فقدوا القدرة على التأثير واحداث التغيير في مطبخهم السياسي العتيق، وأن قسم المشاوي في هذا المطبخ يتحول تدريجيا من تقديم الكباب الحلبي الشهير الى الصحن المشهور «جولو كباب»! إنها آخر أيام العرب في لبنان. وفي يوم من الأيام سيسجل التاريخ أن العماد المغرم بكرسي رئاسة الجمهورية في لبنان كان القنصل الفخري التنفيذي لايران في لبنان. «ضيعانو» لبنان!

[email protected]