إعدام صدام.. جريمة التوقيت

TT

قتل صدام حسين خصومه باسم العروبة، والشرف، والكرامة، وأعدمته الحكومة العراقية فجر أمس، قبل أن ينحر المسلمون خرافهم صباح يوم عيد الأضحى، باسم الديموقراطية.

تعددت الأعذار والفعل واحد، وهو القتل.

المؤسف، والمزعج، في توقيت الإعدام، ومبرراته، أن يجد المرء نفسه وكأنه بات في خندق المدافعين عن صدام حسين. وهذه سوءة الحكومة العراقية. فالإعدام تفوح منه رائحة طائفية تزكم الأنوف.

أن يعدم صدام حسين من أجل حادثة الدجيل فقط، فهذا اختزال، وتجاهل للحقائق. فليس الشيعة ضحايا صدام حسين وحدهم، فهناك الأكراد، وهم سنة، حيث أبيدوا بشكل وحشي على يد جنود صدام، فلماذا لم يوثق هذا الأمر بإدانة الرئيس «المنحور» في هذه القضية أيضا. وهناك مجزرة الرمادي، ووقعت بحق السنة، وهناك دماء حرب إيران، والكويت ودماء أسراها. لكل هؤلاء حق في رقبة صدام حسين، لا الشيعة وحدهم.

الحكومة العراقية، ويا للأسف، نكأت جرحا طائفيا لن ينتهي. اختارت توقيت إعدام صدام حسين فجر عيد الأضحى، أول أيام العيد بالنسبة لسنة العراق، والعالم الإسلامي، ونحن نعرف أنه حتى الغرب لا ينفذ حكم الإعدام ليلة الميلاد، أو قل الأعياد. وبعد كل ذلك خرج رئيس الوزراء العراقي يقول إن صدام لا يمثل طائفة! وهذا دفاع لن يفيد.

كان صدام، في جرائمه، أذكى من الحكومة العراقية الحالية، فقد عدل في ظلمه، فضحاياه من كل ملة بالعراق، بينما الحكومة العراقية اختزلت جرائم صدام فيما حدث للشيعة.

وهناك من يتحدث عن إجراءات قانونية، وكلنا يعرف أن محاكمة صدام وإعدامه أمر سياسي، لا قضائي بحت.

وتوقيت الإعدام جاء في وقت يتحدث فيه الجميع عن مصالحة، والمفارقة أن قناة العراقية، الحكومية، كان شعارها على الشاشة «من أجل المصالحة في العراق» في الوقت نفسه الذي كانت تبث فيه أغنية «اليوم العراق ينادي بدمه».

صدام حسين كان حاكما طاغية يستحق الإعدام؟ نعم! لكن توقيت إعدامه صارخ مستفز، حيث خصوصية اليوم وقدسيته، ولذا يحق لنا القول إن مشكلة إعدام صدام هي جريمة التوقيت، والسرعة التي نفذ بها يطرح من الأسئلة أكثر مما يجيب، ويعمق الطائفية

المقيتة في العراق والمنطقة، أكثر من أي وقت آخر.

ما رأيناه يوم أمس، وما سمعناه، من كثير من المسؤولين العراقيين، بعد إعدام صدام، لم يغلب عليه طابع الدولة، بل الرغبة في التشفي والانتقام. الدولة تقتص ولا تنتقم. والسياسي يراعي ولا يجازف. وما رأيناه كان ثأرا لا قصاصا. وللأسف أن الحكومة الديموقراطية في العراق تساوت مع «القاعدة» في إظهار منظر من تنفذ فيه الإعدام. افسدوا على صدام حكمه، وافسد عليهم ديموقراطيتهم. بل وسجلوا له نهاية تظهره رجلا صامدا وقويا!

[email protected]