خيار إيران النووي

TT

تبنى مجلس الأمن في الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي ـ وبالإجماع ـ قرارا يفرض عقوبات على إيران لأول مرة بتاريخها.

هذا القرار ليس مؤامرة من قبل «القوى الضاغطة» لحرمان إيران من فرصتها بالحصول على الطاقة النووية مثلما يحب الرئيس أحمدي نجاد أن يدعي. فكما قلنا في الصيف الماضي، إننا على استعداد لمساعدة إيران على تطوير صناعة حديثة للطاقة النووية إذا ما برهنت على أن نواياها سلمية. والعقوبات التي تم تبنيها في الأسبوع الماضي لن تؤثر على تأسيس إيران لمحطة نووية في بوشهر. بل في الحقيقة فإننا قدمنا لإيران عروضا لحوافز واسعة النطاق وقلنا بأنه في حال كانت إيران على استعداد لاتخاذ الخطوات التي طلبتها هيئة المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإننا سنمتنع عن اتخاذ أي إجراءات أخرى عبر مجلس الأمن في نيويورك.

عروض الحوافز التي قدمناها هي عروض سخية بكل المقاييس. فهي تقدم لإيران ـ من خلال اتفاقية طويلة المدى ـ كل ما تحتاجه لتطوير صناعة حديثة للطاقة النووية، كالمساعدة في بناء محطات الطاقة وضمان توفير إمدادات الوقود والتعاون في مجال الأبحاث النووية. كما تحصل إيران وفق هذه الحوافر على فوائد تجارية تؤدي لتحفيز الاستثمارات التي تحتاجها لتوفير الوظائف لشعبها المتنامي العدد. كما قالت الولايات المتحدة، ضمن قرار تاريخي اتخذته، بأنها ستنضم لأي محادثات تجرى مع إيران وسوف تنظر ـ بموجب اتفاق نهائي، ولأول مرة منذ عام 1979 ـ في موضوع رفع العقوبات التي كانت قد فرضتها على إيران في المجالات التي هناك حاجة ماسة لها هناك، مجالات كالطيران المدني وتكنولوجيا المعلومات.

لكن اختارت إيران، على الرغم من الجهود الدبلوماسية المضنية التي بذلها خافيير سولانا، ألا تمضي في سبيل العروض التي قدمناها. وبدل أن تعمل على تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم ـ وهو أمر هي ملزمة به منذ شهر يوليو (تموز) ـ استمرت بعمليات التخصيب على نطاق أوسع.

ما يثير قلقنا ليس هو الطاقة النووية بحد ذاتها، بل الأسلحة النووية. فقد فشلت إيران طوال سنوات عديدة بالإيفاء بالتزاماتها، كما أنها رفضت اتخاذ خطوات بسيطة من شأنها المساعدة في برهنة أن طموحاتها النووية هي طموحات سلمية فحسب.

تكمن مرافق تخصيب اليورانيوم في ناتانز بإيران في صميم المشكلة. حيث أن اليورانيوم منخفض التخصيب يمكن استخدامه كوقود لمحطات الطاقة النووية. لكن هذه المرافق ذاتها يمكنها إنتاج يورانيوم عالي التخصيب ومواد قابلة للانشطار يمكن استخدامها في الأسلحة النووية. كما يمكن استغلال مفاعل المياه الثقيلة الذي يجري بناؤه في آراك، والذي لم تقدم إيران أي تبرير مقنع له، في إنتاج البلوتونيوم.

بدأت إيران ببناء هذه المرافق سرا. وفي عام 2003 أجبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طهران على الإقرار بوجود هذه المرافق.

لكن هناك الكثير من المسائل المعلقة منذ ذلك الحين، رغم الجهود الكثيرة التي بذلتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمحاولة تفسيرها. ما سبب مشاركة السلك العسكري في برنامج يفترض بأنه برنامج مدني؟ ما سبب عدم تقديم إيران لتفسير تام بشأن تعاملها مع شبكة عبد القادر خان التي ساعدت كوريا الشمالية وليبيا في برامج الأسلحة النووية السرية في كل منهما؟ ما سبب إجراء إيران تجارب على مادة بولونيوم ـ 210 التي ليس لها استخدام في توليد الطاقة الكهربائية، لكن يمكنها التسبب بانفجار نووي؟ إن احتمال كون إيران تطور أسلحة نووية هو تحدٍ لا يمكننا تجاهله.

تشعر العديد من دول الشرق الأوسط ـ بما فيها المملكة العربية السعودية ومصر ـ بأنها مهددة نتيجة للتأثير المتزايد لإيران بزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان وفلسطين. وتتساءل هذه الدول عن مدى تفاقم الوضع إذا ما حصل أحمدي نجاد على ترسانة نووية. أجد أنه لا يُعقل أن يكون لدى رجل يشكك بوقوع محرقة الهولوكوست أسلحة تعينه على تكرار تلك المأساة.

كما أن إجراءات إيران تشكل تهديدا خطيرا لنظام منع انتشار الأسلحة النووية. فإذا ما سمحنا لإيران أن تراوغ للتوصل لامتلاك قنبلة نووية، فكم دولة من الدول الأخرى ستحاول ـ أو ستشعر بأنه لزام عليها ـ امتلاك قنبلة نووية لمجرد مواجهة التهديد الذي تشكله إيران؟

طالبت هيئة المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران على مدى أكثر من ثلاث سنوات تعليق نشاطاتها الأكثر حساسية، بينما حاولنا نحن ـ إلى جانب فرنسا وألمانيا ـ إقناع إيران بالموافقة على حل مقبول وطويل الأمد.

لقد انخفض مؤشر سوق الأوراق المالية في إيران بمعدل الثلث منذ انتخاب أحمدي نجاد رئيسا، وباتت رؤوس الأموال تنتقل إلى الخارج، والتجار والمستثمرون الأجانب يتجنبون الاقتراب من إيران، بينما يجد رجال الأعمال الإيرانيون صعوبة متزايدة في تمويل صفقاتهم.

يعتمد الرخاء في إيران على صناعة النفط والغاز، لكن مع انعدام الاستثمارات سينخفض معدل الإنتاج من حقول النفط، وسوف يُحرم الشعب الإيراني من الاستمتاع بكامل ثمار احتياطات الغاز الهائلة الموجودة في بلدهم.

وفي هذه الغضون تعمل الحكومة الإيرانية على عزل إيران على المستوى العالمي بفضل أعمالها المؤدية لزعزعة الاستقرار في كل من العراق ولبنان. وبينما يرغب غالبية المواطنين الإيرانيين إبراز ثقافتهم وسمعتهم المتميزة بشأن التسامح، ألحق أحمدي نجاد العار ببلده باستضافته لمؤتمر ضم الناكرين لوقوع محرقة الهولوكوست، ودعا إليه من بين من دعا التنظيم الأميركي العنصري الذي يؤمن بتفوق العِرق الأبيض (Ku Klux Klan).

القرار الذي صدر في الأسبوع الماضي عن مجلس الأمن يمثل لحظة مهمة. فإيران تواجه الآن الخيار ما بين السبيل الذي يتيح لها تطوير برنامج حديث للطاقة النووية للأغراض المدنية ويجلب العديد من الفوائد لشعبها، أو المزيد من التعنت وتكاليف عزلتها عن العالم. آمل أن تتبع إيران السبيل الإيجابي.

* وزيرة الخارجية البريطانية ـ خاص بصحيفة «الشرق الأوسط»