نظرة إلى صدام (الأضحية) من زاوية مختلفة

TT

التضحية بصدام حسين يوم عيد الأضحى، استدعت الحادثة التاريخية الشهيرة في العصر الأموي، والتي ضحى فيها خالد القسري حاكم العراق آنئذ يوم الأضحى المبارك، برمز الجهمية أو كما يوصفون بـ«المعطلة» من قبل خصومهم أهل السنة، هذا الزعيم الأضحية اسمه الجعد بن درهم، وقد أطلق القسري حينها مقولته الشهيرة:«ضحوا تقبل الله ضحايكم، فإني مضح بالجعد بن درهم»، فنزل حاكم العراق الأموي ـ كما تقول الروايات من منبره وحز رأس الجعد بالسكين أمام المصلين، وسبب التضحية بهذا الآدمي لأن الجعد هو الذي أشاع عقيدة القول بأن كلام الله مخلوق.

لا يعنيني هنا الجدل التاريخي حول عقيدة الجهمية والاعتقاد بخلق القرآن، وإنما يعنيني هنا أن جملة من الذين استنكروا التضحية بصدام حسين يوم عيد الأضحى وأنا منهم، قد ذكروا أن أيام الأعياد عند المسلمين وغير المسلمين، أيام عفو وصفح ومسامحة، ولا يصح أن يتعمدها أحد بسفك دم بشري مهما كانت المبررات، وأن عيد الأضحى داخل في الأيام الحرم، التي لا يجوز فيها القتل وسفك الدماء.

هذه المبررات الشرعية والعقلية والإنسانية التسامحية القوية والمقنعة، لم نكن نسمعها حين ترد حادثة التضحية بالجعد بن درهم على الرغم من أن الجعد لم يكن مجرما جنائيا، ولا قاطع طريق ولا هو ملاحق قضائيا، وإنما هو ضحية رأي وتأويل، وإننا وإن كنا نعتقد بفساد معتقد الجعد وبطلانه، إلا أنه يظل رأيا أو تأويلا كما يسميه رعيلنا الأول من العلماء، ثم إن الجعد ليس أول ولا آخر من أظهر تأويلات فاسدة في العقيدة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومع ذلك لم يتم التعامل معهم بسفك الدماء، مثلما تعامل حاكم العراق خالد القسري مع ضحيته يوم العيد، ولو أن أمتنا الإسلامية ساستها وقادتها وعلماءها سنت سكين التصفيات فجزت رؤوس المخالفين في العقيدة، أو ضحت بالذين تولوا كبر نشر فكرة ضالة أو أنشأوا عقيدة منحرفة كما تعامل القسري مع الجعد بن درهم لمشت أودية جزيرة العرب دما، ولتحولت أنهار الشام والعراق إلى اللون الأحمر.

الغريب أن قتل الجعد بن درهم لاقى ترحيبا منقطع النظير من عدد من الأعلام والعلماء والدعاة قديما وحديثا، ونظمت في الثناء عليه القصائد وأدبيات المدح، ولم نسمع من ينتقد هذه التضحية أمام المصلين يوم العيد أو قال إنها وافقت أشهرا حرما كما فعلنا مع صدام حسين، الذي يجرمه كل من استهجن توقيت مقتله!! هذه الانتقائية الواضحة في التعامل مع الضحيتين في العهد الأموي والعهد الأمريكي في العراق، عبارة عن عينة أو إن صح التعبير هي طرف سنام لجمل كبير، ويجب مواجهتها بشجاعة، وأنا أعرف يقينا أنني سألاقي عنتا كبيرا بسبب نكشي لهذه الدملة الفكرية القديمة.

ومع أن قصة التضحية بالجعد بن درهم شهيرة، إلا أن قلة من الناس تعرف أن هناك من الباحثين من شكك في أصل الحادثة التي لم تنقل إلا من شخص واحد تثور حوله أسئلة، ويستغرب أحد الباحثين أن تكون هذه الحادثة وقعت أمام مئات المصلين، إن لم تكن أمام الألوف، خاصة أنها صلاة عيد ويحضرها حاكم العراق وبالتأكيد فقد شهد العيد عدد من العلماء والرواة وتلامذة العلماء، ومع ذلك لم تنقل لنا إلا من طريق رجل واحد فقط وحوله كلام، فإن ثبت عدم صحة هذه الرواية، فهو بالتأكيد في صالح ثقافتنا الإسلامية المتسامحة!! ربما كان من حسن حظ حاكم العراق القديم خالد القسري، أنه لم يكن في العهد الأموي أجهزة الموبايلات وخاصية البلوتوث وخدمة الانترنت، لتنقل لنا الحادثة كما هي، مما جعل الحادثة برمتها موضع تساؤل وشك، وفي الوقت نفسه كان من سوء الطالع للمالكي حاكم العراق الجديد، أن تفضح التقنية الحديثة وبسرعة مذهلة ممارساته الطائفية الانتقامية المقززة، ليتندر ويشمت به القاصي والداني في كوكبنا الأرضي.

تضحية حاكم العراق في العهد الأمريكي بصدام في عيد الأضحى والأشهر الحرم خطأ وننده، وتضحية حاكم العراق الأموي بالجعد وفي التوقيت نفسه خطأ وننده، أو كلاهما صواب ولا خيار ثالث.

[email protected]