أفق نهاية الحقبة الأميركية في المنطقة؟

TT

يبدو أن ورقة العراق كانت ثمن انتصار الديمقراطيين السياسي في انتخابات الكونجرس الـ 110، وربما تكون أيضا من سيرجح كفتهم في الانتخابات الرئاسية 2008. صحيح انها المرّة الأولى التي يفوز فيها الديمقراطيون منذ العام 1994، وبذلك يكون الديمقراطيون قطعوا نصف المرحلة للوصول إلى البيت الأبيض، إذا ما قُدّر لهم ذلك في العام 2008، ما يرجح ان الفترة المتبقية للرئيس بوش لن تكون مريحة بكل تأكيد ولن تخلو من ضغوطات واعتراضات سياسية.

ولتحقيق رؤية كهذه، تتبادر إلى الذهن مفاهيم تم تكريسها كالشرق الأوسط الجديد والحرب الاستباقية ...الخ، فالمسألة في نهاية المطاف هي المصالح ولا شيء غير المصالح. ومع ذلك فإنني أجد حين الحديث عن منطقة الشرق الأوسط أن الديمقراطيين هم اقرب إلينا وأكثر تفهما لقضايانا وثقافاتنا المحلية، وهم ينزعون الى المثالية كنهج في تحقيق الأهداف العليا، وهذا يعني احترام الشرعية ومبادئ القانون الدولي، وحل الصراعات بالطرق الدبلوماسية والسلمية وعدم تشجيع التسلح، بينما نلحظ ان الحزب الجمهوري يرتكز على الواقعية من اجل حفظ المصالح الوطنية، وهذا يعني في ما يعني استخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ويؤمن بالقوة العسكرية لتحقيق مصالحها الحيوية.

والان يبدو أن الملف الشائك والتحدي القائم للإدارة الاميركية الحالية يكمن في الوضع العراقي، ويبدو أن اللغة تغيرت من الحديث عن ديمقراطية العراق، إلى الحديث عن أولوية استقراره بعد التدهور الأمني والاحتقان الطائفي المتسارع .

وجاءت خطة بوش كاستراتيجية جديدة أو خارطة طريق كما سميت تمثل في سلسلة أهداف تُحدد لحكومة المالكي، ومساعدات اقتصادية بقيمة بليون دولار وتعزيز القوات الاميركية بحوالي 20 ألف جندي إضافي رغم معارضة مبدئية من الحزب الديمقراطي الذي يسيطر على الكونغرس بمجلسيه.

تتمثل الأهداف التي سيعتمدها بوش ـ وتلتزم الحكومة العراقية تنفيذها ـ بأن يُعطى سنة العراق مشاركة اكبر في العملية السياسية، وان يتم توزيع عائدات النفط بعدالة وتخفيف سياسة الحكومة المتشددة تجاه أعضاء حزب البعث السابقين. إلا أن مسألة زيادة القوات في العراق أو انسحابها تبقى هي اللعبة السياسية التي ستجد مساحة للجدل السياسي الداخلي في القادم من الأيام، لا سيما إذا ما علمنا أنها القضية الخارجية الأكثر اهتماما من قبل الشعب الاميركي بالإضافة لقضاياه الداخلية.

من جانبي أرى أن القضية في غاية التعقيد، فأي انسحاب أميركي يعني بكل بساطة تسليم العراق إلى إيران، وفي حالة زيادة القوات فانه يزيد الأمر تعقيدا ويعطي ذريعة لبعض الأصوات باستمرار العنف والتصعيد، وإشعال فتيل الحرب الأهلية. إذن الحل يكمن في الحل السياسي لا العسكري، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فتح باب الحوار مع الدول المجاورة والمؤثرة في المشهد السياسي العراقي وتقسيم الكعكة الى عدة قطع لا قطعة واحدة بما يخدم مكونات العراق السياسية والعرقية والمذهبية وهو ما يصب في مصلحة العراق وشعبه، هذا إذا ارتهنا إلى الرؤية الواقعية البراغماتية وليس الطرح المثالي التقليدي. وبالتالي فان الخيارات واضحة وبحاجة إلى حسم وقرار سياسي جاد. وهذا يعني حوارا يأخذ في الاعتبار مصلحة الأطراف، وليس صفقات بين طرفين على حساب البقية، وهذا ما يتداول في الكواليس وهو ما نخشى منه، لأنه بذلك يعني الدخول بالمنطقة إلى مرحلة جديدة من الفوضى يغذيها من يشعر انه خارج الطاولة وهنا تكمن المعضلة. إن إخفاقاً كبيراً في الشرق الأوسط كما يحدث الآن من قبل الأنظمة الحاكمة فيه او من الولايات المتحدة أو من المجتمع الدولي قد يولد تراجعاً أمريكياً إستراتيجياً لصالح قوى عالمية أخرى او إقليمية، وربما لصالح قوى محلية متطرفة. وهذا يعني في ما يعني دخول المنطقة في فوضى عارمة يصعب الآن تخيلها أو التكهن بها على اقل تقدير.

ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية كتب مقالا في مجلة «فورن أفيرز» في عدد نوفمبر ـ ديسمبر الحالي، أشار فيه إلى أن عهد الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط انتهى وبدأ عهد جديد في التاريخ المعاصر للمنطقة سيحدده فاعلون وقوة جديدة تتنافس على النفوذ والسيطرة، سيكون على واشنطن الاعتماد على الدبلوماسية أكثر من القوة العسكرية. ثم أشار إلى القوة الخارجية التي سيطرت على المنطقة في حقبات أربع، الإمبراطورية العثمانية انتهت بالحرب العالمية الأولى، حقبة بريطانيا وفرنسا انتهت في الحرب الثانية وحرب السويس 1956، حقبة أميركا وروسيا والصراع معا انتهت في الحرب الباردة وحرب العراق 1991، ثم الحقبة الأميركية المنفردة التي تعتبر بأنها انتهت بحرب العراق الأخيرة 2003. وحدد عوامل نهاية الحقبة الأميركية في المنطقة بالأسباب التالية: 1 ـ قرار إدارة بوش الحرب على العراق وأسلوب إدارته. 2 ـ إخفاق عملية إحلال السلام في الشرق الأوسط.

3 ـ فشل الأنظمة العربية التقليدية في مواجهة شعبية المد الإسلامي الأصولي. 4 ـ دور العولمة في تسهيل مهمة المتشددين في حشد التأييد والدعم المالي ودور الفضائيات في جعل العالم العربي قرية إقليمية مسيَّسة.

صفوة القول إن هناك من يرى انه بالرغم من الحرص الاميركي بشقيه الديمقراطي والجمهوري لخدمة المصالح العليا، فانهم يوافقون الطرح الفائت من ان الحقبة الأميركية في الشرق الأوسط شارفت كغيرها على الانتهاء، والسبب الرئيس هو فشلها في العراق، بالإضافة إلى هزائمها في أفغانستان والصومال، وما تواجهه من تحديات في الملفين النوويين الكوري الشمالي والإيراني، ناهيك من فشلها في الحرب على الإرهاب. ويبدو أن منطقتنا بحاجة إلى قراءة اميركية جديدة، ومع هذا يبقى الزمن الكفيل بالإجابة القاطعة لكل تساؤلات عالقة بالذهن!