مسافر بلا أي شيء!

TT

أنا المسافر بلا حقائب ـ أو بلا أي شيء غير ملابسي. حدث ذلك سنة 1962 عندما سافرت مع القوات المصرية إلى الكونغو فى طائرة حربية أمريكية وحولي المدافع والقنابل المصرية لاستخدامها عند اللزوم في غابات الكونغو لحماية ثورة الرئيس لومومبا ـ وتحت علم الأمم المتحدة.. وكان من نصيبي أن اجلس في سيارة جيب في عكس اتجاه الطائرة! وأمضيت في الكونغو يوما واحدا!

ويوم سافرت حول العالم لمدة 228 يوما بلا توقف، كانت معي حقيبة واحدة بها ورق وقلم وملابسي الداخلية ليوم واحد. وكلما احتجت إلى تغيير ملابسي اشتريت ملابس جديدة لتبقى حقيبتي خالية ولا تدل على صاحبها! وعندما عدت إلى القاهرة في يناير سنة 1960 كانت الرحلة قد بدأت في يونيو سنة 1959 سألني موظف الجمارك إن كانت معي حقائب. فقلت: ولا واحدة! ولم يتسع الوقت لكي أحكي له قصة حياتي مع أطول رحلة قام بها كاتب في التاريخ. ولا أعرف كم مرة سافرت بعد ذلك. وكل الذي اذكره أن لدي 37 جواز سفر قد امتلأت بالتأشيرات ذهابا وإيابا! ومنذ أيام سافرت إلى المنصورة ـ بلدي الذي يبعد عن القاهرة 150 كيلومترا ـ وليوم واحد. واندهشت جدا لوجود عدد من الحقائب. ثلاث حقائب! ولكن لماذا؟

هناك حقيبة اسمها الصيدلية: ففي هذه الحقيبة كل العقاقير الخاصة بالبرد والزكام والسعال. أقراص وحبوب وسوائل. وكل العقاقير الخاصة بالإمساك والإسهال والمغص.. وحقيبة أخرى بها كل الملابس الصوفية.. جلباب صوف وبلوفرات صوف تحت الملابس الخارجية وفوقها.. ومن النادر أن استخدم كل هذه العقاقير. فليس هناك وقت ولا خوف من البرد. وحتى لو كان هناك برد ففي بلدنا عشرات الأطباء الأصدقاء والأقارب. ولا خوف من أي شيء! ولكن الخوف أصبح عادة وكذلك الوسوسة. ومن الغريب أنني في رحلتي حول العالم لم أصب إلا مرة واحدة بالزكام. وكانت العدوى من (الدلاي لاما) الذي كنت أول من قابله بعد فراره من التبت إلى جبال الهملايا.. ويكفي أن أتوهم لتنتقل العدوى إلى كل جهازي التنفسي. وأنا في سباق مع الموسيقار محمد عبد الوهاب. مرة يسبقني إلى الزكام ومرة أسبقه إلى العطس.. ومرة أسبقه في اكتشاف عقاقير جديدة في فرنسا، ويسبقني إلى معرفة عقاقير جديدة في أمريكا. وأنا اسبقه إلى تحذير أم كلثوم منه، أو يسبقني هو في تحذير طه حسين.. ويعتمد عبد الوهاب في معلوماته عن العقاقير على صديقه الأمير بدر بن عبد العزيز وأنا أعتمد على العالم فاروق الباز.. وتنتهي المباراة السنوية إلى صفر لحساب عبد الوهاب وصفر لحسابي أنا، فكل هذه العقاقير لم تفلح في إنقاذنا من الزكام والسعال!