بعد عام.. نقاش هادئ حول الرسوم

TT

قبل عام اندلعت أزمة الرسوم الكاريكاتورية التي اعتبرت مسيئة للإسلام وأثارت غضباً عارماً في الشارع الإسلامي حول العالم، أخذ في بعض الأحيان شكل صدامات عنيفة أدت في عدد منها إلى سقوط قتلى.

تراجع الغضب الشعبي بشأن الرسوم وانحسر النقاش تقريباً في دوائر ثقافية وسياسية.

هذا التحول من تأجيج مشاعر الشارع إلى حوار جدي رصين هو بلا شك فرصة نحتاجها لإعادة طرح نقاش هادئ حول القضية التي لم تطو صفحتها، بل على العكس. إذ يرى كثيرون في أوروبا أن قضية الرسوم أطلقت جدلاً سيستمر لسنوات طويلة حول مسألة الرقابة الذاتية في الإعلام والفن، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالإسلام. دليلهم أن عدداً من المعارض الفنية حجبت لوحات كي لا تعتبر مسيئة للإسلام، وهو موقف لجأ إليه بعض رسامي الكاريكاتور للحجة ذاتها، فيما الجدل داخل المؤسسات الإعلامية والصحافية حول كيفية التعامل مع قضايا تمسّ المسلمين هو في صدارة البحث.

لا شك أن موجات الغضب التي ثارت، العام الماضي، اختزلت في رفع شعارات دينية فيما ذهب القليل منها إلى إثارة مسألة العنصرية المطروحة بقوة على الغرب حيال المهاجرين، ومن بينهم المسلمون. كان يمكن للمسلمين معالجة قضية الرسوم عبر الاحتجاج على مضمونها العنصري، إذ عندما يربط أحد الرسوم بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإرهاب، فهذا قد يؤدي إلى وصم جماعة كاملة بالإرهاب. لكن المشكلة أن موجات الاعتراض على الرسوم ركزت على استهداف الإسلام ووصمت الغرب ولعنت قيمه الملحدة وتجرأه على الدين من دون التوقف عند حقيقة أن الوعي الغربي هو وعي علماني لا ديني، وبالتالي فإن الغضب تحت ستار الدين أمر لن يكون مفهوما لدى الأوروبيين الذين اعتادوا على التجرؤ على انبيائهم.

الاعتراض على قيم الغرب العلماني الحديث، أظهر المسلمين في هيئة الرقيب، وهذا ما تطرحه أصوات كثيرة في اوروبا اليوم وتدعو إلى مواجهته.

إنها معضلة يواجهها بالدرجة الأولى ملايين المهاجرين المسلمين في الغرب الذين تجابههم أصوات عنصرية فعلية تأخذ عليهم أن المسلمين خصوم للحرية والتعبير الفردي، وأن مهاجريهم لا ينسجمون مع مجتمعات الغرب التعددية والنقدية.

هذا الصدام ليس في مصلحة العرب والمسلمين تصدره على النحو الذي سار عليه العام الماضي. فالمهاجرون المسلمون الذين يشغلهم امر صورتهم في الخارج لن يكون مفيداً لهم خوض النقاش مع المجتمعات الأوروبية التي لجأوا إليها من زاوية دينية على غرار ما حدث. فالتهديد بقطع الرؤوس على نحو ما رأينا لن يضفي على صورة العرب والمسلمين سوى المزيد من الإشكالات القائمة أصلاً. وهنا تحضر الدعوة إلى ضرورة نقل النقاش إلى حيّز ثقافي وانساني أرحب يخفف من الاحتقان العنصري ويضبط انفلات مشاعر الكراهية الدينية.

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com