الحوار في مكة

TT

جاءت الدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للفرقاء الفلسطينيين في فتح وحماس للحوار في مكة المكرمة بدون تدخلات خارجية لتقدم فرصة للسياسيين الفلسطينيين للخروج من المأزق الحالي والضغط العصبي للتوتر والاحتكاك اليومي، وفي مكان له قدسيته, لبحث مشاكلهم ووقف هذا القتال الداخلي الذي سيعود بالوبال على كل القضية الفلسطينية.

وهي فرصة تبدو أخيرة لوقف هذا المشهد المأساوي والهزلي في نفس الوقت والذي شهد اختطافات متبادلة واغتيالات واشتباكات بالسلاح سقط فيها قتلى بين الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين المتصارعين، فتح وحماس.

ولأنها كما تبدو فرصة أخيرة فإن القيادات الفلسطينية التي رحبت بالدعوة وأعلنت أنها ستلبيها، يتعين عليها ان تذهب إلى هذا الحوار وهي في ذهنية صافية نحو حل المشاكل والبحث عن المصلحة الفلسطينية أولاً وقبل أي شيء، باعتبارها تسبق أي ارتباطات أو تأثيرات خارجية لقوى إقليمية أخرى على أي فصيل.

ولا بد أن يكون ما حدث في الشهور والأسابيع الأخيرة خاصة, درسا يجب منع تكراره، فما حدث لم يكن متصوراً، وأحداث الأيام الأخيرة خرقت كل المحرمات الفلسطينية السابقة، وأصبحنا نرى فلسطينيين يأسرون فلسطينيين، ومشاهد قتال شوارع بين ابناء الشعب الواحد.

وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية ليس خافيا على أحد، فهذا القتال الداخلي يعطي إسرائيل الحجة لكي تقول بأن الفلسطينيين غير ناضجين لتوقيع اتفاق سلام أو حتى التفاوض، وانظروا ماذا يفعلون مع بعضهم البعض، ودوليا فإن القوى الراغبة في الإسهام في البحث عن حل سلمي لا تستطيع ان تقوم بأي مبادرات أو جهود بينما مشهد السلاح هو الذي يسيطر على الشارع.

والعبرة الأساسية مما حدث على الساحة الفلسطينية وقاد إلى اقتتال داخلي هي أن إضعاف السلطة واللجوء إلى الميليشيات لتكون لها اليد العليا في الشارع لن يقود إلى شيء سوى الفوضى والعنف كما رأينا.

ورغم كل ما كان يطلق من بيانات أو تصريحات، فإن المشهد الدائر منذ عامين كان لا بد أن يقود إلى ما حدث. فقد كان هناك ما يشبه التحلل التدريجي لقوة السلطة وصعود نجم ميليشيات وتنظيمات كانت كل يوم تخترع لها أسماء جديدة، وتنتزع قرار الحرب والسلام بقذائف وتفجيرات محدودة التأثير تورط بها الشعب الفلسطيني كله بدون أي مسؤولية، وهدفها كان مجرد تسجيل نقاط على الساحة الداخلية ودغدغة العواطف بصرف النظر عما إذا كان ذلك للمصلحة الوطنية أم لا. وكما حدث في أماكن أخرى في العالم فإن الميليشيات تنتهي إلى الصراع مع بعضها البعض على الفتات وتضيع المصلحة الوطنية.

حوار مكة يوفر مظلة إسلامية وعربية، وهو فرصة للفلسطينيين، لكن النفوس والعقول يجب أن تكون صافية وبعيدة عن تأثيرات الذين يحاولون استغلال القضية الفلسطينية لمصالح أخرى.