صروح

TT

حضرت قبل سنوات افتتاح متحف الفن التشكيلي الحديث «غوغنهايم» في بيلباو بإسبانيا، لأن صديقي رجا صيداوي عضو في مجلس إدارة المؤسسة. ولم أكن أتوقع في أي وقت أن يكون الفرع التالي للمتحف في «السعديات» أبوظبي. لكن أمس افتتح الشيخ محمد بن زايد ما قد يصبح أول وأهم مجمع ثقافي من نوعه في العالم العربي، يضم إلى جانب «غوغنهايم»، متحفاً تقليدياً يحمل اسم الشيخ زايد، ومسرحاً وداراً للأوبرا ومتحفاً دائماً للفنون الكلاسيكية. وكان بين الحضور مهندسو ومصممو هذه المتاحف وبينهم العراقية زهاء حديد، التي لعلها اليوم أشهر سيدات العالم في هذا الحقل.

وقد قلت لها جملة واحدة: «هناك عرب نفاخر بهم وهناك عرب يوحّلون رؤوسنا، وأنتِ من الفئة الأولى».

الفارق بين «بيلباو» و«السعديات» كالفارق بين إسبانيا وأبوظبي. بلد يتكل على ماضيه، وبلد يصنع حاضره ويرسم آفاق مستقبله. ويبدو أن القاعدة التي وضعها مؤسس الاتحاد ثابتة، لكن في تطورها. وهي شديدة الاختصار: التعليم والثقافة، وما يفعله الشيخ محمد بن زايد هو توسيع وتنويع الصروح الثقافية، بحيث تكون هي المعلم الأول، في بلد كان يفتقر قبل ثلث قرن إلى ما يكفي من المدارس الإعدادية. وتبدو أسماء مثل «اللوفر» و«السوربون» أو دور الأوبرا والمسارح أمراً مبالغاً به في بلد قديم الوجود، حديث النشوء. لكنها أخذت تتحول الآن إلى جزء طبيعي من مشهد متكوّن. وكل شيء له بداية ما. وكل مشروع له غاية ومفاهيم ومكونات. والمشروع الثقافي هو أصعبها. انها زرع طويل. ودأب. «تزرعون سبع سنين دأبا». لكن عندما تتوفر القدرات وتعلو النوايا يمكن تسخير الطاقات. وافضل ما يمكن أن يقدمه مسؤول إلى الأجيال، ذلك المناخ الذي بدا بعيداً وعصياً لسنوات طويلة. مناخ العلم مرفقاً بسبل الثقافة والفنون. فالمدرسة (أو الجامعة) وحدها تتحول إلى انقطاع، إذا لم تلحق بها حالة من الاستمرارية. بل حالة من الفيضان الثقافي المتعدد الوجوه والأبعاد والأعماق. وكنت أتمنى أمس لو كانت جميع تصاميم المتاحف في «المنطقة الثقافية» تحمل أسماء عربية إلى جانب اسم زهاء حديد. لكن لا شيء يأتي دفعة واحدة، خصوصاً في العلوم والثقافة. انها بداية مثيرة في أي حال. وآمل أن تُغبط أبوظبي لا أن تُحسد.