طريق موسكو

TT

سوف يعود الدكتور عمرو موسى إلى بيروت عن طريق موسكو. وبعض أهل بيروت يقولون له، لا تعد إلى هنا إن لم يكن معك جديد. ولعله يضحك. فهو يعرف أن هؤلاء السادة يملكون حقوق الوداع لا الاستقبال. ولكن الموضوع هنا هو موسكو ودور موسكو وليس بالتأكيد تصريحات بيروت. وموسكو المتحررة من روابط النظام الشيوعي وأحكامه لا تكف عن مفاجأتنا. فهي تقريبا في كل مكان. وزير خارجيتها في طهران ثم في واشنطن. وهي تستقبل الرئيس بشار الأسد ثم «الجانب الآخر» أي رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة وزعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري. ومن ضيوفها غير المتوقعين الأمير بندر بن سلطان الذي سوف يبحث في جدول أعمال زيارة الرئيس بوتين للمملكة في 11 الجاري.

في الماضي، لم يكن ممكنا لرئيس روسي أن يأتي إلى الرياض ولا كان وارداً أن يقوم مسؤول سعودي رفيع بالذهاب إلى موسكو. لكن العاصمة الروسية تبدو اليوم مثل محطة انطلاق وعودة لشركة طيران الأزمة في المنطقة. ففي يدها مفاتيح كثيرة، منها العلاقة النووية مع إيران، لأنها وكيلة التخصيب الشرعي! ومنها العلاقة مع سورية لأنها وكيلة تعديل بنود المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ولذلك تحافظ روسيا على لغة غامضة في هذه المواضيع لكي لا تغضب أحدا في انتظار ما سيكون. وقد اكتشفنا من برنامج زيارة الدكتور عمرو موسى انه سوف يقابل يفغيني بريماكوف، مراسل «البرافدا» في المرحلة السوفياتية، ثم رئيس الاستخبارات الخارجية ثم وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء. ولكن ما هو موقع الرفيق بريماكوف اليوم؟ لقد ترقى بعد كل هذه المناصب ليصبح رئيس «غرفة التجارة والصناعة». لا بد من الإبقاء على لقب لأعتق الرفاق كي يظل حاضراً في مشهد الشرق الأوسط وخباياه. ولا يجوز لتلك الخبرة القديمة التي بدأت في الخمسينات أن تذهب سدى.

ولست أعرف إن كان بريماكوف يقول الكثير في المحادثات الخاصة. لكن الروس لا يقولون شيئاً في الكتابات «المعلنة». لا شيء. ففي كتب بريماكوف، رجل الظل الطويل في الكرملين، لا ترى سراً واحداً، أو شيئاً لم تقرأ عنه. وقد هرعت مرة لقراءة مذكرات أندريه غروميكو الذي صاغ ونفذ سياسة موسكو الخارجية في أهم مراحلها. وفوجئت بحجم الكتاب الذي يصلح لروايات الجيب. وأكثره حكايات عن ذوق السيدة غروميكو في السفر. وكانت رحمها الله فلاحة سمينة مثل نينا بترومينا، زوجة خروشوف. والسرّ الوحيد الذي يكشفه غروميكو انه كان عندما يسافر إلى الغرب يعجب بمدنه. وانتظر حتى تقاعد ليعبر عن ذلك. خوفاً من العقاب.