العودة إلى الثوب المدني

TT

قال الدكتور حسن الترابي في المؤتمر (السنوي؟) للحزب الذي يتزعمه، ما خلاصته، أو معناه «لقد تأدبنا. الانقلابات العسكرية زفت». وهذه قناعة عامة لدى الناس، سواء تأدبوا أم لا. لكن الدكتور الترابي يقول ذلك في معرض الاعتذار عن ماض مضى، والمستقبل عند الله. فليس هناك ما يمنع، احيانا، من تعديل المواقف أو تلطيفها أو تحميلها لضعف الذاكرة. يذكرنا الدكتور الترابي (بعدما أعاد الى ذاكرتنا انه في الخرطوم، وأن له حزبا وأن للحزب مؤتمرا سنوياً) بالمسؤولين الأميركيين الذين يذهبون الى التقاعد. اول شيء يفعلونه هو الاعلان عن تأييد القضية الفلسطينية. اللهم فيما عدا جيمي كارتر الذي بدأ تلك المسيرة الصعبة وهو بعد في الرئاسة.

لا يعاتب انسان على ندم أو على عودة عن خطأ. لكن لا للسذج أن يتساءلوا، لماذا تأخر رجل في مثل ذكاء الترابي وثقافته، كل هذه السنين، لكي يدرك ماذا فعلت الانقلابات العسكرية بالدول العربية، وكيف جاءت كلها باسم فلسطين واكتفت من كل فلسطين بإذاعة خاصة ومجموعة اناشيد. وعندما جاء حسن الترابي دكتورا من «السوربون» كان يعرف ولو اكتفى بقراءة صحيفة «الموند» في المساء، ماذا فعلت الانقلابات العسكرية في العالم قبل ان تصدّر الى الدول العربية في حقائب سفراء اميركا، متصوفي الديمقراطية ودعاتها وحراسها، خصوصاً في اميركا اللاتينية والوسطى، حيث ظهرت افظع الديكتاتوريات وأفظّها.

وليس الدكتور الترابي الديمقراطي الوحيد خارج الحكم. هناك صف طويل من الضباط العسكريين والمدنيين الذين تعشقوا الديمقراطية بعدما أخرجهم العسكريون من الحكم وادخلوهم الى السجون، ومن ثم ارسلوهم الى المنافي أو الى الاقامات الجبرية او شبه الجبرية. وكان الترابي قد ارسل الصادق المهدي، نسيبه، الى السجن ثم الى الاقامة الجبرية وبعدها الى المنفى. وهذه الدورة الكاملة مثل دورة الارض عرفها مئات السياسيين والعسكريين العرب. وبعضهم كان أسوأ حظا فلم تكتمل دورته بل مات في السجن. ولم يوفر السجن العربي قامة أو مهمة او كرامة. من أحمد بن بللا إلى أكرم الحوراني. وظهر «ضباط أحرار» بالعشرات فلمعوا وبرقوا ثم تحولوا إلى ينازك لا يعرف بها أحد، ولا يدري بها أحد. وكان كل عسكري يتصرف حيال من سبقه كما سيتصرف بعده من يلحق به. وعندما جاء صدام حسين الى السلطة، اراد قبل أي شيء إبعاد الجناح العسكري في الحزب، لكنه ما لبث أن حوّل نفسه الى مارشال لا يخلع البزة العسكرية. وألبسها لجميع من حوله. وكان طارق عزيز يحلم بأن يصبح استاذا وصحافيا وكاتبا، فلما وقعت حروب العراق، رأى نفسه في طقم عسكري وله شريطة على الكتف بأمر من القائد الأعلى.