من قال إنني فارس؟!

TT

معقول أنت لا تعرف ركوب الخيل؟ والله لا أعرف. معقول واحد زيك تتكلم عن الخيول وتاريخها وأنواعها وملامح الجمال فيها.. معقول كل ده ولا يعرف يركبها؟ دي أبسط حاجة..

ـ صحيح أنها أبسط حاجة، ولكن هذه الحاجة البسيطة أنا لا أعرفها..

ـ بلاش تواضع..

ـ والله مش تواضع دي خيبة ثقيلة.. ففي استطاعتي أن أصف لك سفن الفضاء وأنا لم أركبها.. وأحدثك عن المريخ وأنا لم أذهب إلى هناك.. إنها معلومات من الكتب.. وأحدثك عن أعراض الموت وأنا لم أمت.. كلها معلومات..

ـ يعني لا تعرف كيف تركب حصانا.. سؤال، ألم تركب حمارا؟ ركبت. ألم تركب بسكليتا؟ ركبت. ألم تركب دماغك؟ حصل..

وجاءت ساعة افتتاح المهرجان، وجاء الفرسان شبان صغار وشابات.. الواحد لا يزيد عن ستين كجم.. ورشيق وخفيف وفارس المنظر والحركة.. وطلبوا مني أن أركب وراء الفارس الصغير وأتشبث بملابسه.. هل هذا معقول؟ وأنقذني الصداع وظهور بعض قطرات العرق على وجهي واستنادي إلى واحد جالس إلى جواري.. وجاء التشخيص الطبي بأنني أغمى علي من الرعب والكسوف. وكان قرار الطبيب أن يتركوني وحدي في الفندق.. وحدي أتفرج على السباق والمهرجان على الشاشة.. ودق جرس التليفون: ألو.. أيوه أنا.. مش فاهم.. مش فاهم.. بكل سرور تفضل.. بعد ساعة. ووضعت سماعة التليفون، وبعد ساعة جاءني فارس صغير.. يبدو طفلا ولكنه شاب في العشرين من عمره ومعه سرج حصان.. وقد عرض أمامي كيف يمكن ركوب الخيل والإمساك باللجام.. وكيف أتوازن على ظهر الحصان.. ولكن لماذا؟ لأنه لا بد أن أتعلم ركوب الخيل.. لأن هذا عيب لا يمكن السكوت عنه. وبعد ساعة انتقلت إلى أحد الاصطبلات الجميلة الأنيقة النظيفة.. وطلبوا مني أن أركب حصانا واقفا.. وأتوا بسلم صغير وصعدت السلم وركبت على ظهر الحصان.. ولم يكد الحصان يتأكد من أن الفارس الذي على ظهره يعادل في وزنه اثنين من الفرسان الصغار.. وان هذا شيء غريب شاذ.. فما كان من الحصان إلا أن ارتفع عن سطح الأرض لأجد نفسي في الهواء.. ثم أسقط على الأرض المغطاة بنشارة الخشب.. وكان من الضروري أن انهض وأنفض نشارة الخشب عن ملابسي وأعود إلى الفندق لأكتشف بعض الجروح والرضوض في أماكن مختلفة من جسمي.. ووقفت أمام المرآة أرى هذه الجروح.. وارتديت ملابسي بسرعة وذهبت إلى أقرب مستشفى وطلبت كشفا بالأشعة على كل عظامي.. وأدخلوني في أنبوبة كبيرة.. والأنبوبة باردة جدا وأنا عريان ملط.. وأجهزة لها أصوات غريبة تلتقط لي صورا.. والأنبوبة تتقلب وأنا أدور معها..اطلب أن أخرج ولكن لا أحد يسمعني.. وأغمض عيني.. وأحاول أن أفكر في أي شيء.. كل شيء مستحيل.. فأنا أرتجف من البرد.. ومن الغيظ.. ومن اليأس في أن أخرج من الأنبوبة.. ولا أعرف كيف أنقذني النوم.. ووجدتني عاريا أمام الممرضات.. ووجدتني أدخل في ملابسي وأنا ارتعش وألعن كل الحيوانات ابتداء من الحمار وانتهاء بالحصان والإنسان.