روسيا للغرب: ذوقوا ما غرستم إذن !

TT

ما يزال خبراء السياسة الخارجية يحاولون تفسير هجوم فلاديمير بوتين نهاية الأسبوع ضد أميركا، التي وصفها باعتبارها البلد الوحشي «الذي يتجاوز حدوده القومية في كل عصر».

ولكن بدلا من السؤال حول ما دفع بوتين، على وجه التحديد، للهجوم على الولايات المتحدة بهذه الطريقة، فان السؤال الذي يتعين علينا توجيهه هو: لماذا تفعل مثل هذه الملاحظات فعلها في روسيا اليوم ؟

لقد عدت للتو من موسكو ويمكنني أن أخبركم بما ابلغني به المحللون هناك، بل وما ذكرني به الليبراليون الروس بتداعيات توسع الناتو. نحن بحاجة إلى التوقف عن المزاح مع أنفسنا، فبعد نهاية الحرب الباردة وتفكك حلف وارسو عام 1991، فان إدارتي بوش الأب وكلينتون قررتا إقامة تحالف امني جديد، هو ناتو موسع، وإبلاغ روسيا أنها لا يمكن أن تكون عضوا.

ودعونا لا ننسى أن روسيا التي أبلغناها بان تبقى بعيدة في البرد، هي روسيا بوريس يلتسين وزملائه الإصلاحيين الليبراليين. فقد حذرونا في حينه بأن هذا يمكن أن يلحق بهم الضرر. ولكن رجال كلينتون ابلغونا: «لا تقلقوا، فروسيا ضعيفة، ويلتسين سيبتلع الطعم بشق الأنفس ويقبل توسع الناتو. ولن يكون هناك ثمن». وهكذا وجهت الدعوة إالى المجر وبولندا وجمهورية التشيك للانضمام إلى الناتو عام 1997، وبلغاريا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في عام 2002. وفي الفترة الأخيرة كانت هناك محادثات حول انضمام أوكرانيا وجورجيا أيضا.

وأعتقد أن أحد الأسباب التي جعلت بوتين، الضابط السابق في المخابرات السوفييتية والمحارب في الحرب الباردة، قادرا على المجيء إلى السلطة بعد يلتسين، كان يعود جزئيا إلى الذبذبات السليبة لتوسع الناتو. فقد ابلغنا روسيا: ابتلعوا عزتكم القومية، انه لعالم جديد. نحن نتوصل إلى امتلاك مجالات نفوذ وأنتم لا تتوصلون، وسيصل نفوذنا إلى عتبة داركم.

أما وقد جعلت أسعار النفط والغاز المرتفعة من روسيا قوية مرة أخرى، أي رجل الغاز في أوروبا، فان بوتين يعيد عزة روسيا الناهضة بوجوهنا. وفي الواقع الفعلي يقول لأميركا «آه، هل تتحدثون إليّ ؟ اعتقدتم أن بوسعكم إبلاغي أن الحرب الباردة انتهت وأن توسع الناتو غير موجه لروسيا، ولكننا لا نستطيع أن نكون أعضاء على أية حال. هل اعتقدتم حقا أننا سنصدق ذلك ؟ حسنا أنا الآن أتحدث إليكم. اغربوا عن وجهي».

وكان بوتين أكثر دبلوماسية بعض الشيء في ملاحظاته في ميونيخ، حيث قال: «إن عملية توسيع الناتو ليست لها علاقة بتحديث التحالف. لدينا الحق في طرح سؤال: ضد من يوجه هذا التوسع؟ كلنا يعلم الإجابة: هي موجهة ضد روسيا. نعم. حسنا، نحن على استعداد لإغضاب روسيا بتوسيع الناتو، ولكن ما الذي استفدنا؟ الأسطول التشيكي؟»

بالنسبة لهؤلاء الذين عارضوا توسيع حلف الأطلنطي، فإن النقطة بسيطة: لا توجد قضية جيوبولتيكية أساسية، ولا سيما قضية واحدة مثل إيران، يمكننا حلها بدون مساعدة روسيا. فلماذا إذن لا نتصرف بطريقة تزيد من رغبة روسيا في العمل معنا ودعم ديمقراطيتها، بدلا من توسيع حلف شمال الأطلسي بضم دول لا يمكنها مساعدتنا وليست مهددة من روسيا، وأفضل ضمان لأوضاعها الديموقراطية هو الانضمام للاتحاد الأوروبي؟

ولقد حصلت على العديد من المعلومات من الروس حول ذلك، فقد ذكر فلاديمير ريجكوف وهو واحد من آخر الأعضاء الليبراليين في الدوما، الذي ينتقد حكومة بوتين قائلا: «توسيع الناتو لم يكن ضروريا. وفي العالم الحالي روسيا لا تمثل خطرا عسكريا على أي من جيرانها».

اما الكسي بوشكوف، الذي يقدم برنامجا تلفزيونيا عن السياسة الخارجية في التلفزيون الروسي، فيقول: «توسيع الناتو هو رسالة إلى روسيا بأنها معزولة. الروس غير سعداء، الحرب الباردة قد انتهت، فماذا هذا إذن؟ .. إنهم يوجهون تحالفا عسكريا نحو الحدود الروسية». ويضيف بوشكوف «خلال توسيع حلف الأطلنطي، كنت أطوف بالعالم لأقول شيئا واحدا: «لا تفعلوا ذلك، إذا ما فعلتمونه، توقفوا عند دول بحر البلطيق، لأنكم ستخسرون روسيا. وكان الرد الذي تلقيته رائعا «ما الذي يمكن ان تفعله روسيا؟ ما الاجراءات التي يمكنهم اتخاذها؟ كنت أقول لهم: «لا يمكننا اتخاذ أية إجراءات. تخسرون حليفا، بسبب وجود تغييرات جذرية في النفسية الروسية التي تقول: هؤلاء الأشخاص يهدفون إلى استغلال ضعف روسيا. لا يريدونها كحليف، ولكن كشريك صغير مثل الكلب الصغير يفعل ما تأمره به». لست هنا للدفاع عن اوتوقراطي مثل بوتين. ولكن التاريخ مقدمة. والحقيقة هي، أننا ساهمنا في خلق مزاج في روسيا مقبول لمقاتل محافظ من أيام الحرب الباردة مثل بوتين، بفرض الناتو على ديموقراطي ليبرالي مثل يلتسين. لقد كان قرارا صعبا ما تزال له ذيول. ففي الوقت الذي نحتاج فيه لمساعدة روسيا، فإننا نتلقى بل ونستقبل الآن انتقامها.

* خدمة «نيويورك تايمز»