كلاكيت السينما

TT

انتهت منذ أيام المناسبة الأهم والأكبر في صناعة السينما الغربية، وهي حفل توزيع جوائز الاوسكار على الافلام الفائزة. وقد وضح حجم الحضور السياسي الطاغي على ما قدم من أعمال، فجائزة أفضل ممثل ذهبت الى فورست ويتيكار عن دوره في فيلم «آخر ملوك اسكتلندا»، وهو الذي يحكي قصة الزعيم الافريقي عيدي أمين، وكذلك نالت هيلين ميرين جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «الملكة»، وهو الذي يروي حياة الملكة اليزابيث الثانية، وكذلك فاز فيلم «بابل» بعدد من الجوائز الفنية والتقنية وهو الذي يقدم رؤية عن ستة أماكن حول العالم، في فيلم يحاكي العولمة وتطوراتها. ولا يمكن اغفال جائزة أفضل فيلم وثائقي التي كانت من نصيب فيلم «الحقيقة غير المناسبة» والتي جاءت من مصلحة آل غور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، وقد كان الكثير يتوقعون اعلان آل غور عن ترشحه لمنصب الرئيس الامريكي في انتخابات عام 2008 في حالة فوزه بالأوسكار ودخوله في سوق وسباق الرئاسة الصعب والمحموم، ولكن هذا الأمر لم يحدث. لا يمكن مراجعة مناسبة مهمة كهذه تحتفي بالفن السابع ونجومه من دون المقارنة مع دور السينما والسياسة في العالم العربي، واستغلالها كمرجعية سياسية. كان مصطفى العقاد، هذا الفارس الذي رحل واغتالته أيدي البائس الزرقاوي، الذي لا يزال يعتبر بطلا في أعين البعض في عالمنا، كان يعتقد أن السينما أقوى الوسائل الاعلامية تأثيرا، وكان يستشهد بتجربته في فيلم «الرسالة» وحجم المحاربة التي جوبه به، ومنع عرض الفيلم في دور السينما وفي التلفزيون، ولكن أثبتت الأيام أن فيلم الرسالة كان أقوى من خطب المنابر وسطور العديد من الكتب في فعالية ايصال فكرة عظمة الدين الاسلامي (وعرض الفيلم بعد ذلك من دون الوفاء بحقوق المؤلف!) وهناك عدد لا بأس به من الافلام التي تركت أثارا مهمة في النقد السياسي، مثل: «ثرثرة فوق النيل» الذي كان يشرح الحال الاجتماعي في المجتمع المصري بعد نكسة 1967، وكذلك فيلم «الكرنك» و«إحنا بتوع الاتوبيس» الذي يروي تسلط مراكز القوى وقوة أجهزة الاستخبارات في عهد جمال عبد الناصر.

وقدم دريد لحام فيلمين لافتين هما «التقرير» و«الحدود»، وكان فيهما انتقادات للفساد الاداري والفوضي والمحسوبية والبيروقراطية في قالب كوميدي هزلي، ولكنه حتما يوصل الرسالة. ولم تقدم السينما العربية شخصيات سياسية معاصرة إلا «عمر المختار» و«ناصر 56» و«أيام السادات»، وهي جميعها قدمت صورا ورؤي تاريخية قابلة للجدل والأخذ والرد. ولكن الاحداث العربية تحتاج للمزيد من الجرأة والطرح السينمائي, 1967 بما أتت به من مهازل قصة لم ترو بعد، الانفصال بين مصر وسوريا حدث يستحق وقفة، وشخصيات كصدام حسين وأمين الحسيني وعبد الرحمن سوار الذهب والملك عبد العزيز والشيخ زايد.

حجم مساحة الحرية الموجودة في العالم العربي، وقدرة الانظمة السياسية الموجودة على «هضم» رؤى مغايرة للطرح التاريخي التقليدي، والصورة النمطية المقدمة في الكتب والاعلام هو التحدي الأكبر أمام فن سابع عربي يحدث حراكا ايجابيا طال انتظاره.

[email protected]