سلام النوايا الحسنة والظروف السيئة

TT

من حيث المبدأ، لا يزال واردا احتمال تحقيق الإدارة الأميركية لإنجاز ما في دبلوماسيتها الشرق أوسطية قبل نهاية ولايتها. ولكن فشل خططها الأمنية في فرض الاستقرار في العراق لا يوحي بأن من المتوقع أن يتوصل الرئيس جورج بوش، قبل انتهاء عهده، إلى مخرج من الأزمة يحفظ ماء وجه العم سام... ووحدة العراقيين في وطنهم.

ولكن المفارقة التي تلوح في الأفق قد تكون في تحول «النكسة» الأميركية في العراق إلى حافز لتحريك «سلام الشرق الأوسط» ـ وإن في إطار تعزيز موقع الولايات المتحدة في المنطقة كمظلة أصبحت ضرورية في معادلة التوازن الإقليمي الجديد مع إيران.

«مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإلى جانب أحداث العراق شكلت التطورات اللبنانية ـ بدءا بحرب الثلاثة والثلاثين يوما وانتهاء بمطلب «الثلث المعطل» في حكومة فؤاد السنيورة ـ حافزا إضافيا لعودة واشنطن إلى القضية الفلسطينية من منطلق كسب ود العرب في مواجهة خطر جديد: النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة.

مساعي تحريك السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي كشفها تأكيد وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، قبل أيام معدودة، أمام «لجنة العلاقات الاميركية ـ الإسرائيلية» في واشنطن، أن مبادرة السلام السعودية (التي تبنتها قمة بيروت العربية عام 2002) تتضمن «عناصر إيجابية»، وكذلك إعراب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت عن تعامله «بجدية» مع المبادرة.

متابعو الشأن الشرق أوسطي في واشنطن ولندن يجزمون بأن وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، تظهر حاليا اهتماما غير مسبوق في سلام الشرق الأوسط. وفي معلوماتهم أن رايس فاتحت بالفعل عددا من حلفاء واشنطن في احتمال عقد شكل من أشكال «المناسبة» الدولية ـ تحاشيا لاستعمال تعبير «مؤتمر سلام» ـ لكسر حالة الجمود بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتذهب هذه المصادر إلى حد تأكيد وجود «اتفاق عام» ليس فقط على من يتوجب دعوته الى «المناسبة» بل أيضا على وثيقة مستوحاة من مبادرة قمة بيروت العربية قد تطرح كنص أساسي للتسوية المقترحة (أي مبادرة الأرض مقابل السلام).

عودة واشنطن إلى بحث المبادرة العربية لا يعكس اهتماما مفاجئا بسلام الشرق الأوسط بقدر ما يعكس السعي إلى «تعويض» تعثر خطط إدارة بوش في العراق بمحاولة «صياغة» شرق أوسط جديد تكون دعامته، هذه المرة، السلام العربي ـ الإسرائيلي.

سعي مشكور بأي حال من الأحوال وإن كان من المشكوك فيه أن يضع «مهرجان دولي» نهاية منصفة لأزمة مزمنة. مع ذلك تبقى عبرة «المناسبة» في تأكيد الدول الكبرى للعالم العربي أنها لم تتخلّ عن الفلسطينيين وقضيتهم، من جهة، وفي فتحها الباب، من جهة أخرى، لاحتمال استئناف محادثات السلام المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ولكن هل يكفي إقناع العرب بأن إيران خطر داهم عليهم، كما هي على إسرائيل، لتقريبهم من إسرائيل... وإن تحت شعار «سلام الشرق الأوسط»؟

على هذا الصعيد يبدو المنطق الأميركي القائم على فرضية «عدو عدوي صديقي» ـ بصرف النظر عن خلفية تاريخه معي ـ شبيها بالمنطق الإيراني في خطب ود العرب في فلسطين والضرب عرض الحائط بحقوقهم في الجزر الإماراتية الثلاث وبسيادتهم على العراق ولبنان أيضا. وإذا تجاوز الجانب العربي هذه الخلفية للسلام المقترح وأبدى استعداده لاستئناف الحوار مع اسرائيل، هل يمكنه الوثوق بأن إسرائيل، بوضعها السياسي الراهن، مفاوض قادر على إنتاج تسوية عادلة؟

إسرائيل اليوم في وضع «مخضرم» لا تحسد عليه: موغلة بشرق أوسطيتها في مستويات الفساد والفضائح التي تعيشها، مقصرة في ديمقراطيتها لحاجتها الدائمة إلى قائد قوي يتخذ القرارات المصيرية خارج إطار «المؤسسة» ـ وقرار التسوية النهائية مع الفلسطينيين في مقدمتها... وفوق هذا وذاك دولة تعاني من حالة إحباط نفسي نتيجة ثقتها المهزوزة بجيشها بعد حرب الثلاثة والثلاثين يوما.

وفي وقت تسابق فيه شعبية أولمرت شعبية بوش في الانهيار، لا تبدو قدرته على إقرار تسوية منصفة مع الفلسطينيين أفضل بكثير من قدرة بوش على تسوية «الحالة» العراقية.