فلسطين: حكومة واعدة وآمال عريضة.. والفشل كارثة !

TT

لم تعد هناك حجة لا لأميركا ولا للاتحاد الأوروبي ولا حتى لإسرائيل، وبالطبع، ولا لأي دولة عربية للنظر الى الحكومة الفلسطينية الجديدة، حكومة الوحدة الوطنية، من الزاوية التي كان يُنْظر من خلالها الى الحكومة السابقة التي بدأت ميتة وعاجزة وبقيت ميتة وعاجزة وكان أهم إنجاز لها هو أنها استدرجت الحصار الظالم الذي لا يزال مفروضاً على الشعب الفلسطيني استدراجا، وأنها كادت تقحم هذا الشعب في أتون حرب أهلية مدمرة لولا عناية الله ورحمته ولولا المساعي السعودية الخيرة التي اجترحت اتفاق مكة المكرمة في اللحظة المناسبة.

كانت الحكومة السابقة حكومة تنظيم واحد فقد رفضت كل الفصائل الفلسطينية، حتى بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الانضمام إليها والالتحاق بها وكان هذا التنظيم قد أعلن وبلسان أكبر مسؤول فيه وعلى رؤوس الأشهاد، ومن قلب مخيم اليرموك في دمشق، انحيازه هو وتنظيمه وحكومته الى «فسطاط الممانعة» الذي تُشكِّل إيران الرقم الأساسي في معادلته السياسية والعسكرية.

ما كان ممكناً الانفتاح على تلك الحكومة أو التعاطي معها، إذ كانت تنخرط في صراع إقصائي مع السلطة الوطنية، وكانت ترفض أن تكون جزءاً من منظمة التحرير، وأيضاً كانت ترفض الاعتراف بأن هذه المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكان برنامجها برنامج قوى الرفض والممانعة ولا علاقة له بالبرامج التي أقرتها المجالس الوطنية الفلسطينية، وهي فوق هذا كله كانت تتبنى عمليات إطلاق الصواريخ «الدخانية» التي كان إطلاقها مبرراً للجيش الإسرائيلي للقيام بحملات تدميرية في أكثر من منطقة من مناطق قطاع غزة.

في تلك الفترة كان الاعتراف بحكومة الفصيل الواحد، الرافضة لمنظمة التحرير وبرامجها والاتفاقيات التي وقعتها مع إسرائيل في إطار العملية السلمية، يعني القضاء على السلطة الوطنية والقضاء على هذه المنظمة ويعني أيضاً العودة بالوضع الفلسطيني الى مراحل التشتت والفرقة وفتح الأبواب على مصاريعها للاقتتال الداخلي والحرب الأهلية وتحوُّل قطاع غزة والضفة الغربية الى نسخة أخرى من الحالة الصومالية والحالة العراقية المرعبة والمخيفة.

لقد كانت إسرائيل تنتظر، وعلى أحرِّ من الجمر، انهيار السلطة الوطنية وانهيار منظمة التحرير وكانت، بوجود حكومة فلسطينية تتبنى مواقف تنظيم متحالف مع إيران، ويرفض كل القرارات الدولية التي بُنيت على أساسها عملية السلام، قادرة على تسويق كذبة عدم وجود الطرف الفلسطيني المفاوض وكانت تتمنى لو أن العرب يرتكبوا الخطأ التاريخي ويعترفوا بهذه الحكومة ويتعاملوا معها على حساب محمود عباس (أبو مازن) وسلطته وعلى حساب الأطر المعترف بها على صعيد العالم كله.

الآن تغيرت الأمور واستجدت تحولات جذرية فهذه الحكومة، التي نالت ثقة المجلس التشريعي الفلسطيني قبل أيام، هي حكومة الإجماع الفلسطيني وحكومة كل الفصائل الفلسطينية، بإستثناء الاستثناءات المعروفة، وهي أيضاً حكومة منظمة التحرير والسلطة الوطنية، ثم وأن البرنامج السياسي الذي أعلنه رئيسها لا يختلف من حيث المضمون والجوهر عما قاله محمود عباس (أبو مازن) مراراً وتكراراً وهو يستجيب لمبادرة السلام العربية وينسجم انسجاماً كاملاً مع القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين كما أنه تضمن التزاماً صريحاً وواضحاً بكل الاتفاقيات التي وقعها الفلسطينيون في إطار العملية السلمية.

وكذلك وفوق هذا فإن تغييرات جذرية وأساسية قد استجدت بالنسبة لمواقف حركة «حماس» وسياساتها وتحالفاتها، فهي بعد اتفاقية مكة المكرمة لم تعد تذكر «فسطاط الممانعة» حتى مجرد ذكر وهي على ما يبدو قد تخلت عن ترددها السابق وأعلنت، وهذا هو أول موقف تقفه حركة إسلامية بالنسبة لهذا الأمر، تخليها عن التمسك بما يسمى بالحق التاريخي وبفلسطين من النهر الى البحر، وقبولها بدولة مستقلة على الأراضي الفلسطينية التي اُحتلت في عام 1967، وجنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية وعلى أساس المساومة التاريخية.

إن كل هذا يعني أنه لم تعد هناك أي حجة لأي دولة عربية لعدم احتضان هذه الحكومة والوقوف الى جانبها ومساندتها في المسألة الأهم والأخطر وهي مسألة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني والذي يجب ان يتكاتف العرب كلهم من خلال قمة الرياض المقبلة، التي من المؤكد انها ستكون قمة فلسطين، من أجل إزالته وإقناع حتى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكل دول العالم بضرورة إنهائه.

من الآن فصاعداً، بعد أن أصبحت هناك حكومة وطنية فلسطينية موحدة وبعد أن أصبح الموقف الفلسطيني واحداً، فإن المفترض أن الحركة العربية في الساحة الدولية غدت أسهل بألف مرة مما كانت عليه في السابق وغدا بإمكان العرب أن يطالبوا الأميركيين والأوروبيين بضرورة إيجاد الطرف الإسرائيلي المؤهل لاستئناف عملية السلام والذي يجب أن يتحلى بجرأة مناحم بيغن وإسحق رابين والذي لديه الرغبة والقدرة للذهاب بالسلام حتى نهاياته.

لقد أصبح الفلسطينيون في وضع يؤهلهم للقول للأميركيين والأوروبيين والعالم كله إنه مطلوب من الإسرائيليين أن يتكيفوا مع متطلبات خيار السلام وأن عليهم أن يحسموا أمورهم وأن يتفقوا على حكومة لديها الرغبة والقدرة على استئناف العملية السلمية والاستجابة للتوجهات الدولية الداعية لضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والاستمرار الى جانب الدولة الإسرائيلية.

الآن أصبحت الكرة في ملعب الأميركيين والأوروبيين وكل الدول المعنية بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط فعلى هؤلاء جميعاً ان يُلزموا إسرائيل باستحقاقات حلِّ هذه القضية المزمنة الحل العادل والدائم الذي ترضى عنه الأجيال وهذا يقتضي أن يتخلص الإسرائيليون من حالة التمزق والشتت التي يعيشونها وإما يُلزموا حكومتهم هذه بالاستجابة للتطورات الهامة جداً التي استجدت على الوضع الفلسطيني وإما أن ينتخبوا حكومة بديلة قادرة على اتخاذ الخطوة التاريخية التي حان موعد اتخاذها.

وأيضاً فإنه على الحكومة الفلسطينية، حتى يبقى خط سيرها يأخذ اتجاهاً تصاعدياً، أن تبقى في حالة استنفار دائم وألا تلجأ الى الاسترخاء ولو للحظة واحدة. فأولاً لابد من المحافظة على ما تحقق. وثانياً لابد من السيطرة على الأمور وإنهاء حالة الفلتان الأمني السائدة الآن في الضفة الغربية وقطاع غزة وثالثاً لابد من الصمود ولابد من ضبط الأعصاب في وجه عمليات الإستفزاز التي سيمارسها الإسرائيليون بالتأكيد ضدها ورابعاً لابد من تحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية والتصدي بحسم وبقوة لأي محاولات اختراق قد تقوم بها بعض الجهات الإقليمية المعروفة وخامساً لابد من تطوير مواقفها تدريجياً لتتلاءم مع شروط اللجنة الرباعية ولتستجيب بوضوح غير حمَّال أوجه مع ما يريده المجتمع الدولي ويطالب به .

هناك ألغام داخلية كثيرة لا تزال في الساحة الفلسطينية ولذلك فإنه على حكومة الوحدة الوطنية ان تكون حاسمة وحازمة منذ الآن فالتنظيمات التي ترتبط بالمعادلة الإقليمية الخارجية ستلجأ حتماً الى كل ما يُظهِر هذه الحكومة على أنها ضعيفة وغير قادرة على ضبط الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهنا يجب أن يكون معروفاً ومنذ الآن أن هناك مَنْ سيواصل لعبة الصواريخ الدخانية، وأن هناك مـن سيسعى لدق الأسافين بين «فتح» و«حماس» ومن سيفتعل الانشقاقات والخلافات داخل كل تنظيم من هذين التنظيمين.

إن هذه الحكومة ستواجه تحديات كثيرة ولذلك فإن عليها ألا تسمح لأي كان باللعب في ساحتها الداخلية.. إنه لا خيار أمامها سوى خيار النجاح، فالفشل هو الكارثة بعينها وهو يعني العودة الى مرحلة التشتت والضياع والاقتتال والحرب الأهلية !!