تمنيت أن ينقل هذا القاضي فورا

TT

كنت قد كتبت بتاريخ 8 يناير من العام الجاري مقالا في هذه الزاوية بعنوان «لهذا القاضي نقف احتراما» تحدثت فيه عن قاض بمحكمة «المويه» الشرعية في السعودية، الشيخ محمد آل عبد الكريم، لتجاوزه نمطية العقوبات التقليدية، التي تتمثل عادة في السجن والجلد، فأصدر حكما على اثنين من الأحداث، أحدهما مرتكب لعدد من السرقات بينما الآخر مشتبه في تناوله المسكرات، فحكم على الأول بتنظيف 26 مسجدا بمعدل ساعة لكل مسجد، إضافة إلى خدمة مكتب الأوقاف لمدة 100 ساعة، فيما حكم على الحدث الآخر الذي اشتبه في تناوله المسكر بتنظيف 26 مسجدا بمعدل ساعة يوميا خلال شهر، منقذا بذلك الصغيرين من المصير المجهول الذي كان ينتظرهما لو طبقت عليهما أحكام بالسجن، فالسجن مهما تعددت مسمياته لا يشكل الخيار الأمثل لتأديب الأحداث، فذلك الحكم الذي قضى عليهما بخدمة المجتمع لفترة زمنية معينة سيتعلمان منه الكثير من الفضائل.

والثلاثاء الماضي نشرت صحيفة «عكاظ» السعودية خبرا عن بادرة ذكية أخرى لنفس هذا القاضي الرائع، الشيخ محمد آل عبد الكريم، فلقد أصدر حكما بإدخال أحد متعاطي الحشيش للعلاج مدة ثمانية أشهر في مستشفى الأمل لعلاج الإدمان، وعدم إخراجه إلا بإذن الحاكم الشرعي، وتضمن الحكم إعداد تقارير عن المحكوم وعن سلوكياته خلال فترة العلاج، ومدى تجاوبه..

حقا لقد تمنيت أن ينقل هذا القاضي فورا للتدريس في معهد القضاء العالي ليكون له تلاميذه في الأجيال الجديدة من القضاة، فلقد اتسع منظور هذا القاضي، الشيخ محمد آل عبد الكريم، لفلسفة القضاء وغاياته ومقاصده، ليغدو السجن آخر خياراته في حالات يمكن أن تلعب فيها الأساليب التربوية والعلاجية الأخرى دورا أفضل.. إن حكمة هذا القاضي وسعة افقه وعمق ذكائه تؤهله لأن يدخل تاريخنا القضائي كواحد من ضمن الكوكبة الأكثر تميزا في هذا المجال.

صحيح أن أماكن كثيرة من العالم تأخذ بمبدأ الخدمة الاجتماعية أو العلاج كبدائل عن السجن، كالحكم الذي تنفذه هذه الأيام عارضة الأزياء نعومي كامبل، والذي يقضي بإلزامها بأسبوع عمل في الخدمة العامة، تقوم خلاله بكنس ومسح وغسيل وتنظيف دورات مياه مبنى إداري في مدينة نيويورك، وذلك كعقوبة لضربها خادمتها، ثم تلتحق بعد ذلك بدورة لمدة يومين لتعلم السيطرة على نوبات الغضب، لكنني لم أقرأ في صحافتنا السعودية عن هذه البدائل التي يمكن أن يلجأ إليها القضاة هنا، وأول خبر قرأته في هذا المجال كان مرتبطا بالقاضي الشيخ محمد آل عبد الكريم..

فلهذا القاضي أدعوكم مرة أخرى للوقوف احتراما.

[email protected]