ياباني يتأمل حالنا

TT

أمضى الياباني نوبوأكي نوتوهارا نحو اربعين عاماً في درس وتدريس اللغة العربية. وترجم الكثير من الاعمال الادبية الى اليابانية. وعاش في مصر وحضرموت والبادية السورية ولبنان والمغرب. وبعدها وضع «العرب: وجهة نظر يابانية». ولعله امر نادر جداً. فلم نسمع آراء يابانية كثيرة في عالمنا. واليابانيون، في اي حال، لا يصرحون كثيرا ولا يصارحون بل يكتفون بالابتسام والانحناء. ولكن نوتوهارا يخرج عن المألوف وهو يجري المقارنة بعد الأخرى بين المجتمع الياباني والمجتمع العربي. ويتذكر كيف خرجت الناس تبكي وتندب في جنازة الرئيس جمال عبد الناصر ويعلق: «بالطبع كان جمال عبد الناصر ذا شعبية كبيرة في الوطن العربي، ولذلك احدث رحيله فراغا كبيرا لدى محبيه. ولكن ذلك كله يطرح السؤال التالي: من هو الزعيم الحقيقي؟ كيف يجب ان يكون الزعيم؟ من هو الزعيم الجدير بالثقة؟ لماذا يحتاجون زعيماً الى هذه الدرجة؟ بالمقارنة، ربما نقدر ان نقول اننا ـ نحن اليابانيين ـ نحاول ان نعتمد على شيء آخر. عندنا في اليابان صورة الزعيم فقيرة جدا. الزعيم الحقيقي في تصوري لا يلهث وراء السلطة».

ويرى المستعرب الياباني ان العدالة الاجتماعية غائبة في العالم العربي «مما يؤدي الى الفوضى» وفي غياب القانون «يستطيع الناس ان يفعلوا اي شيء. وتتعرض حقوق الانسان للخطر. ويصبح الفرد هشا وموقتا وساكنا بلا فعالية لأنه يعامل دائما بلا تقدير لقيمته كإنسان». ويقول انه «عندما تغيب الديمقراطية ينتشر القمع، والقمع واقع لا يحتاج الى برهان في الدول العربية. وهو مترسخ في كافة المجتمعات العربية».

بسبب هذه النمطية في المجتمع وغياب اهمية الفرد ودوره «لا يشعر المواطن العربي بمسؤوليته عن الممتلكات العامة كالحدائق والشوارع ومناهل المياه ووسائل النقل الحكومية والغابات وكافة المرافق. ولذلك يدمرها الناس اعتقادا منهم انهم يدمّرون ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم هم. وعلى سبيل المثال السجناء السياسيون في البلدان العربية ضحوا من اجل الشعب ولكن الشعب نفسه يضحّي بأولئك الافراد الشجعان. ان الناس في الوطن العربي يتصرفون مع قضية السجين السياسي على انها قضية فردية وعلى اسرة السجين ان تواجه اعباءها بمفردها».

بالمقارنة، ماذا حدث في اليابان؟ يقول نوتوهارا: «واجه اليابانيون تجربة صعبة ومريرة. فلقد سيطر العسكريون على الامبراطور والسلطة والشعب. وقادوا البلاد الى حروب مجنونة ضد الدول المجاورة، وانتهى الامر بتدمير اليابان. هذا حدث في تاريخنا القريب ودفع الشعب الياباني ثمنا باهظا. ولكننا وعينا خطأنا وقررنا ان نصححه فأبعدنا العسكريين عن السلطة وبدأنا نبني ما دمره القمع العسكري. لقد عانى اليابانيون كثيرا لكي يخرجوا من الخطأ واستغرق ذلك اكثر من عشرين عاما. لقد تعلمنا ان القمع يؤدي الى تدمير الثروة الوطنية وقتل الابرياء وانحراف السلطة. وكانت هناك فئة واحدة رابحة دائماً هي فئة التابعين للسلطة العسكرية، اعني حاشية السلطة وأعوانها ومخبريها».