أربع سنوات على الحرب

TT

تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لبدء الحرب على العراق، وإسقاط نظام صدام حسين واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبحسبة بسيطة لمسألة الربح والخسارة، يكاد لا يخرج المنصف بأكثر من حسنة تخليص العراق من دكتاتورية صدام حسين، فالخواتيم اليوم لم تنعكس على الإنسان العراقي بالخير على الصعيد الأمني والمعاشي.. فما الذي جرى؟ ولماذا تحول العراق من الدكتاتورية إلى الفوضى والاقتتال الطائفي وانعدام الأمن ونقص الخدمات؟

لا جدال بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل المسؤولية الأولى لنتائج هذه الحرب، التي قادتها قبل أربع سنوات، ولعل أكبر الأخطاء الخطايا التي ارتكبتها الولايات المتحدة وهي حل الجيش ومؤسسات الدولة، وخلق فراغ سياسي أدى إلى الفوضى وانتهاك الحدود العراقية من كل صوب، كما فرضت قوانين قادت إلى الاصطفاف الطائفي والعرقي بناء على نصائح من الطائفيين ومن مجاميع كانت ولا تزال تفكر بالانتقام للماضي، وترفض التطلع إلى المستقبل.

لكن إلقاء اللوم والمسؤولية على الولايات المتحدة وحدها، فيه قدر من اللاموضوعية، واستمرارا للعقلية العربية التي تعلق كل فشل وإخفاق لنا على الآخرين، وتعمل على تبرئة التخلف والمتخلفين من المساهمة في جرائم عراق اليوم.

والحق أن التبشير الأمريكي «الساذج» بعيد إسقاط النظام، قابله عناد وتصميم على إجهاض المشروع الديمقراطي من قبل دكتاتوريات المنطقة التي كانت ولا تزال عاقدة العزم على إفشال أمريكا على حساب الإنسان العراقي، فالتفكير الأمريكي بتحويل العراق إلى ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، قابله استقتال من قبل الدكتاتوريات الشرق أوسطية على منع النجاح خوفا من انتشار عدوى الدمقرطة إليها، والوهم الاقتصادي الأمريكي بتحويل إمكانات العراق الهائلة إلى يابان عملاق في المنطقة، قابله «فرهود» داخلي وإقليمي نهب العراق نهبا، بدا نهب الصداميين أمامه أمانة ونزاهة.

واستمرت حالة التشفي بالإخفاق الأمريكي في جلب الديمقراطية إلى العراق، ولو دفع العراقيون أنهارا من الدم نتيجة الإرهاب والفوضى الطائفية، وقام المتخلفون والدكتاتوريون ومرتزقة الفضائيات يتنطعون بمقولة «عدم استقدام الديمقراطية من الخارج»، وكأنما الديمقراطية كانت تنمو في الداخل المتخلف لعالمنا العربي العتيد، ثم جاء الغزو الأمريكي ليقطفها قبل أوان قطافها.

إن من يحكمون العراق اليوم مسؤولون مسؤولية مباشرة أمام التاريخ وأمام المجتمع الدولي عما آلت إليه الأوضاع في بلادهم، والعدالة التي تحققت بحق صدام حسين وجلاوزته، سوف تطال من يقيمون أقبية التعذيب من قادة الداخلية العراقية اليوم وبالأمس القريب، وواهم من يظن أنه بمأمن من رصد المنظمات التي تسجل انتهاكات حقوق الإنسان، التي يقوم بها من كانوا ضحايا الظلم في عهد صدام حسين. إن بين من يحكم العراق اليوم لصوصا وقتلة وطائفيين: فكأنك يا بوزيد ما غزيت!! وعقلية الانتقام التي تهيمن على متخذي القرار فيه لن تبني عراقا متعايشا، بل هي الضمانة الأكيدة لاستمرار حمام الدم، وهي المعادلة المطلوبة لاستمرار الإرهاب باسم الدفاع عن هذه الطائفة أو تلك، أو باسم مقاومة الاحتلال.

ما طالب به نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي في مقابلة مع «بي.بي.سي» الأربعاء الماضي من حوار مع جميع الأطراف العراقية مستثنيا القاعدة، هو بداية العودة إلى العقل، وهو الطريق المؤدي إلى علمانية الدولة، فدينية الدولة تعني إما دولة شيعية لن يقبلها السنة، وإما دولة سنية لن يقبل بها الشيعة، وحكومة البين ـ بين التي يحاول المالكي بناءها، لن تقوم مهما صلحت نواياه.. فلا مناص ولا خلاص سوى بالدولة المدنية، وما عداها، سيضمن قدوم الذكرى الخمسين للحرب، والحال أسوأ مما هي عليه اليوم.