الرمز المعاكس

TT

رفع الرئيس الراحل صائب سلام شعارا دائما هو «لبنان واحد، لا لبنانان»، فقد كان يخشى أن ينزلق لبنان من نفسه وينشق على ذاته، فيفقد النصف نصفه الآخر ولا يبقى شيء. وهناك اليوم أكثر من لبنان. ولكل منها رقم مثل أرقام السجناء: 14 آذار للموالاة، و8 آذار للمعارضة، و11 آذار للذين لا هنا ولا هناك. ويجب أن نحفظ رقما رابعا هو 14 شباط. ولست اعرف ما يعني. لكن كلما أراد أهل 8 آذار أن يشتموا أهل الرابع عشر منه، قالوا لهم، انتم 14 شباط ولستم 14 آذار.

وبعد أرقام الأشهر تأتي أرقام الأيام. فالموالاة ترفع صورة للرئيس الحريري في عدد من جادات بيروت، وتحت كل صورة عدد الأيام التي مضت على اغتياله.

وترد المعارضة بعدد الأيام التي مضت على الاعتصام في وسط المدينة وتضيئها على شاشات التلفزيونات العائدة لها. ووصل الرئيس اللبناني إميل لحود إلى قمة الرياض ومعه وزيران مستقيلان، ووصل الرئيس فؤاد السنيورة ومعه ثلاثة وزراء غير مستقيلين. وجلس وزير الخارجية الأصيل في صف لحود، وحضر وزير الخارجية بالوكالة مع رئيس الوزراء. الأصيل بصفة مستشار والوكيل بصفة أصيل.

ويسمي لحود حكومة السنيورة باللاشرعية فيما يسمي السنيورة لحود بالرئيس الممدد له قسرا. وبدأت الموالاة تتداول أخيرا تسمية جديدة هي «الرئيس القسري». ويتشاجر الفريقان حول دستور واحد لا دستورين. لكن لكل منهما قراءة مختلفة للمادة الواحدة والبند الواحد. أو بالأحرى قراءة متناقضة ومتعادية.

ويسمي الرئيس لحود ـ مشكورا ـ كل ذلك غيمة صيف. مؤكدا أن لبنان سيعود إلى عافيته سريعا. ولكن لهذه العودة أكثر من طريق. وأكثر من كوع. وأكثر من مفترق. وأكثر من مؤدى.

وليست هذه أول مرة تكون فيها للبنان حكومتان. لكن في الماضي كان المنقسمون يخجلون من الذهاب إلى القمة. وقبل ثقافة الحكومتين والوفدين واللبنانين كان لبنان مثال التعايش كما أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز أمس. وأصبحنا اليوم المثال الآخر. ويصل حامي الدستور ومؤدي القسم إلى القمة، ومعه وفد من موظفي القصر. وعندما وصل شارل حلو إلى أول قمة عربية في الإسكندرية تحلق حوله الرؤساء وأولم له جمال عبد الناصر وغبط العرب لبنان على قادته.