الساحر

TT

عندما كنت طفلاً صغيراً قدر لي أن اذهب إلى بيروت لأول مرة في الإجازة المدرسية الصيفية.. ولفت نظري يومها عدة أشياء منها: الآيسكريم ـ ويسمونه (البوظة) ـ، والسيرك ـ خصوصاً ذلك الشخص الذي كان يلعب بخفة بالكرات أو العصا والحلقات ويتحكم بها من دون أن تسقط منه على الأرض، وجزمت حينها بيني وبين نفسي أن ذلك الشخص ما هو إلاّ ساحر، إلى درجة أن أمنية رسخت من يومها في عقلي الصغير، وتمنيت أن أتحول في مستقبلي إلى (ساحر) ـ والأمنية القديمة تلك ما زال لها مكان في عقلي الذي لم يكبر بعد .

ولا أنسى أن (المرأة) هي كذلك لفتت نظري، سواء بفستانها القصير أو البنطلون أو الشعر أو المكياج ـ خصوصاً (الروج) الأحمر ـ الذي يجذب نظر عيني الصغيرتين إليه مثلما يجذب (المغناطيس) قطعة من الحديد، ولا اعلم إلى الآن ماهية وطبيعة ذلك الشغف الذي كان يتملكني، رغم انه كان بيني وبين (بلوغ الحلم) سنوات طويلة، ويبدو لي أن ذلك كان بسبب ما يسمى الآن (الصدمة الحضارية).

واحمد الله أن ذلك الشغف الجارف قد هدأ الآن وتنظم واستعاد وعيه، وإلاّ لكان مصيبة وفضيحة لو استمر على فورانه.. ولكي لا يذهب الظن والخيال بأحدكم بعيداً، لا بد أن أوضح أن ذلك الشغف بالمرأة كان (بريئاً)، وهو ليس كشغفي (المتنطعّ) الآن.

وبحكم مرور الزمن تبدلت اهتماماتي، فالآيسكريم لم تعد له أية أهمية عندي الآن، فقد تمر عدّة اشهر لا أتناوله ولا يخطر على بالي.

وكذلك المرأة التي أكن لها كل (احترام عنيف)، لم تعد كما كانت متحكمة بمصير حياتي، وإنما أصبحت أتبادل معها النظرات من بعيد لبعيد فقط لا غير، وأحياناً قد يصيبني النعاس والنوم خلال تلك النظرات.

أما اهتمامي، أو أمنيتي أن أكون (ألعباناً) أو ساحراً، فما زال كما هو لم يتبدل إن لم يكن قد زاد.. وقد صارحت احدهم بهذا (الأمل) الكامن في أعماقي، حيث أن ذلك الشخص له قدرة لا بأس بها من الشطارة في الألعاب البهلوانية.

وافق على أن يعطيني دروساً خصوصية في هذا المجال، وان يدربني على خفة الحركة.. وفي أول درس طلب مني إحضار ثلاث كرات، وفعلا أحضرت له ثلاث كرات (بنغ بونغ)، غير انه رفضها لأنها خفيفة ولا تصلح وطلب استبدالها بثلاث كرات (بلياردو)، وفعلا أحضرتها.

وبدأ الدرس أولا بكرة واحدة، أخذت اقذفها عالياً ثم امسكها، واجتزت تلك المرحلة بنجاح منقطع النظير، ثم انتقلت إلى مرحلة الكرتين، وبدأت اقذف الأولى وقبل أن تصل إلى يدي اتبعها بالثانية، واستمر على هذا المنوال عدة مرات غير أنني في النهاية افشل في الاستمرار، وكان مستواي في هذه المرحلة (اقل من المتوسط) مثلما ذكر لي المدرب ذاك.. وبعدها انتقلت إلى مرحلة الثلاث كرات، وقال لي المدرب: إن أردت أن تكسب مزيدا من الوقت في التقاط الكرات، عليك أن تقذفها عالياً، فالكرة إذا قذفتها مترين ونصف المتر في الهواء سوف تسقط خلال (1.4) ثانية، لكنك لو قذفتها إلى أعلى أربعة أضعاف هذا الارتفاع فان وقت نزولها سوف يطول إلى الضعفين.. وفعلا أخذت بنصيحته وقذفت الكرة بكل حماسة إلى أعلى ما أستطيع وقبل أن تصل اتبعتها بالثانية، وعندما هممت بقذف الثالثة، فإذا بالأولى تسقط على (نافوخي) محدثة به بعض (الارتجاج) ـ وانتم بالطبع تعرفون ثقل كرة (البلياردو) ـ وانقلب السحر على الساحر، والله لا يبارك فيه من مدرّب.

[email protected]