وفاة ميت!

TT

أكثر من ساعة وهو يلتحف غطاءه، لكن النوم ظل يضطجع بعيدا عنه.. ينهض.. يبحث في الحجرة عن نافذة لوجهه، كان الفجر لم يزل مشغولا في طرد قطعان العتمة، والنجوم تخلع ثوبها البراق لتختفي في البياض.. «التاريخ ترسانة الدموع».. يتذكر أنه عصي الدمع فيبكي، ويسقط شيئا من جفافه..

كيف يهرب من نهار أخير يطرق بابه؟!

حينما قرع بنعله الرصيف كان الطريق لم يزل يتمطى، والمدينة تغط في كسلها اللذيذ.. هو يبحث منذ أسبوع لجسده المنهك عن سرير يموت فيه..

مر على المقبرة في طريقه.. ألقى بإطلالة على ذلك الفضاء الرحب.. تأكد من وجود شاغر.. سولت له نفسه أن يختصر المشوار، فنهره حارس المقبرة، ومضى..

دفع بآخر النقود في جيبه لشراء قطعة من قماش رخيص تكفي لأن تكون كفنا، وتاجر القماش يعرض عليه أنواعا فاخرة ككسوة للعيد..

يمم وجهه شطر البحر، اغتسل، توضأ، ثم صلى وحيدا.. تحرر من ملابسه المبللة، وهو يرتدي كفنه، وسار في الطريق تلاحقه صيحات الصغار، وأبواق العربات الفارهة..

مر على واجهات المتاجر الأنيقة: عطور.. ملابس نسائية.. مجوهرات.. لوازم أفراح.. شموع.. موسيقى..

قذف الدنيا بآخر تنهداته، وهو يلقي بجثته داخل عربة نقل الموتى.. وحينما تحرك السائق أغلق على نفسه باب العربة الخلفي، وماااااات..

وفي اليوم التالي ظهرت الصحف بمساحات يكللها السواد:

قصائد رثاء..

صفحات عزاء..

وكل عباقرة البكاء ينعون المبدع الكبير.

وفي الليلة الثالثة حلمت إحدى جاراته بالمرحوم يشعل النار في كومة من الكتب، قبل أن يرتقي سور المقبرة ليمد رجليه في وجه المارة، وهو يبصق في الفراغ.

[email protected]