مصطفى والكابتن غالفاو

TT

كنت في بداية عملي الصحفي عندما اقدم الكابتن هنريكي غالفاو على خطف السفينة «سانتا ماريا» ومعه 25 رجلا. اراد غالفاو، البالغ 67 عاما، شيئا واحدا وهو ان يلفت انظار العالم الى حكم انطونيو سالازار الديكتاتوري في البرتغال. وكان هو في البداية احد الذين ايدوا ودعموا استاذ الاقتصاد الجامعي في الوصول الى السلطة. لكن الاستاذ الجامعي ما لبث ان تحول الى طاغية لا يزيح، فانقلب غالفاو الى المعارضة، فنفي الى فنزويللا حيث عمل وعاش فقيرا.

كانت سفينة الركاب «سانتا ماريا» تعبر المحيط وتمر في فنزويللا. وقرر غالفاو ان تبدأ عملية الخطف من هناك، فيتجه بها الى مستعمرات البرتغال في افريقيا ويعلن تحريرها، وهناك ينشئ حكومة في المنفى. كانت السفينة في حاجة الى اربعة ايام للوصول الى الساحل الافريقي في ربيع 1960. لكن في اليوم الثالث ابلغ الكابتن غالفاو ان احد البحارة المصابين في حاجة الى عملية جراحية عاجلة وإلا قضى. وجمع غالفاو رجاله وسألهم رأيهم فاقترعوا على المضي في الابحار مهما حدث للجريح. لكن بصفته قائداً أمر السفينة بالاتجاه قرب البرّ، وانزل البحار الجريح برفقة ثلاثة من زملائه.

وبعد ساعات عرفت الاساطيل مكان السانتا ماريا التي غير غالفاو اسمها الى «الحرية». وطارده الاسطول الاميركي. وارغمت السفينة المخطوفة على الاتجاه نحو البرازيل، وبعدها منح غالفاو اللجوء السياسي في المغرب.

كانت تلك اكثر عمليات الخطف انسانية في التاريخ. اعتنى غالفاو بالأطفال على ظهر السفينة. ونقل ركاب الدرجة الثالثة الى مقاصف الدرجة الاولى. وأفهم المسافرين توا ان احداً لن يتعرض للاذى، وان الهدف الوحيد من الاحتجاز هو لفت انظار العالم الى اسوأ ديكتاتوريين في اوروبا، انطونيو سالازار، وفرانسيسكو فرانكو في اسبانيا. وكلما كان صديقي الراحل مصطفى العقاد يطلب مني ان ارشح له قصة جميلة تصلح لفيلم دولي، كنت اقول له، عد الى حكاية غالفاو، ذلك الفارس الذي حول الخطف الى سياحة في الاطلسي وفي المعاملة الانسانية.

وتغير الخطف السياسي بعد غالفاو. واصبحت الاعناق تحز على الفيديو كليب، كجزء من المنوعات. وفقدنا مصطفى العقاد في اكثر العمليات وحشية على ايدي كائنين لا قضية لهم سوى القتل. هجم القتلة على عرس لا يعرفون اصحابه او مدعويه. وقتلوا اولا ابنة مصطفى. ثم قتلوا اشهر مخرج سينمائي عربي، كان يعتقد ان الوحشية لا تعدو كونها فيلما سينمائيا.