أنظروا لي يا غجر

TT

كل إنسان يواجه في أيام حياته احراجات غير متوقعة، ولا شك في أن كل واحد منكم قد حدث له ذلك بشكل أو بآخر، صحيح أنها قد تكون احراجات (لا تقصم الظهر)، ولكنها تظل احراجات والسلام.. منها مثلا ما حصل لي قبل أكثر من شهر، عندما ذهبت إلى احد الفنادق، وكنت بكامل ملابسي وشياكتي، وكان غرضي من الذهاب إلى هناك السباحة، حيث أن ذلك الفندق لديه في الأسفل ناد رياضي شامل، ومسبح كبير وممتاز، وقد اخترت الوقت الذي لا يكون مكتظاً ومزدحماً.

وفعلا، أخذت المناشف ومعها مفتاح الخزنة التي أضع فيها ملابسي، ثم ارتديت (المايوه)، ووضعت جميع ملابسي في الخزنة، ما عدا حذائي وجوربي فقد استنكفت أن أضعهما مع ملابسي، وتركتهما في الخارج، ثم ذهبت جرياً ونطاً ورميت نفسي بالمسبح، لا على رأسي مثلما يفعل محترفو السباحة، ولكن على قدمي مثلما يفعل أي قروي يتعلم السباحة في بئر.

المهم أنني غصت وتقلبّت وتمغطتّ لمدة ساعة تقريباً، وعندما أحسست بأنني (تفلت العافية) من شدة الإرهاق، خرجت متدثراً بالمنشفة، بعد أن غسلت أوجاعي وخرجت مرتجفاً مثلما ولدتني أمي.

أخرجت مفتاح الخزنة من جيب مايوهي، وأخذت ارتدي ملابسي واغني كما هي عادتي دائماً عندما ارتديها، غير أن اكتشافاً ما جعلني أتوقف عن الغناء، حيث أنني لم أجد حذائي ولا حتى جوربي.

الله فين راحت؟! أخذت أفتش عنها، وسألت المرأة التي كانت على (الدسك)، وهي التي أعطتني المناشف والمفتاح، غير أنها انكرت أنها رأتها، فقلت لها مستحيل فحذائي شاهدته يقبع أمام خزانتي وألقيت عليه آخر نظرة قبل أن اقفز في حمام السباحة.

فغيرت المرأة لهجتها الرقيقة معي، وخاطبتني بجلافة بعد أن اعتقدت أنني اتهمها فقالت: وأنا اعمل إيه في جزمتك، هل تظن أنني سوف ألبسها يعني؟! فقلت لها بلهجة معتذرة: لا سمح الله (يا ستي)، ولكنني فقط أريد أن أضعك بالصورة، فقالت: شكراً، الآن وضعتني بالصورة، وبعدين؟! ماذا تريد مني أن افعل، هل أعطيك حذائي لتلبسه؟! فقلت لها: ما دام الوضع وصل إلى هذا الحد، فكثر الله خيرك، خذي مفتاحك، وأعطيني الحساب، ودفعت لها ما ترتب عليّ أن ادفعه.

وخرجت وأنا بكامل ملابسي حافي القدمين، اسأل كل من أقابله إذا كان هناك مكان قريب لبيع الأحذية، المشكلة أنني كلما سألت واحداً، أول شيء يفعله قبل أن يجيبني انه ينظر إلى قدمي العاريتين، اللتين احمر لونهما من شدة الخجل.. وعندما خرجت إلى الشارع كان يتوجب عليّ أن أسير ما لا يقل عن خمسمائة متر، حتى وصلت إلى بائع أحذية.. طبعاً تفاجأ هو من منظري، ويبدو انه لأول مرّة يدخل عليه زبون حافي القدمين، اشتريت الحذاء، غير أن الذي أغاظني هو ما سمعته من البائع عندما قال لي ببرود: هل تحب أن ترتدي الحذاء، أم أضعه لك (بالكرتون)؟! فقلت له كنوع من التهزيء: ضعه لو سمحت بالكرتون، فما كان منه إلاّ أن وضعه فعلا، وقدمه لي بمنتهى الأدب.

أخذته منه ولبسته وخرجت، وكانت خطواتي على الرصيف (تخبط خبطاً) و(تدبج دبجاً)، كمشية أي عسكري متحمس ومنضبط يمشي (كخطوة الأوزة)، ويتمنى أن يصيح بالناس قائلا: انظروا وشاهدوني يا غجر، إنني ألبس حذاء.

[email protected]