بان بين المغاربة والجزائريين

TT

بين المغرب والجزائر حرب صامتة، وفي أحايين ثائرة، أموال مهدرة وأسرى معتقلون منذ سنين، ولاجئون ومخيمات، و1200 كيلومتر فاصلة بين جيشين. الصحراء الغربية ضرس فاسد في علاقة الجزائر والمغرب منذ رحل عنها الاستعمار الاسباني. فقد كادت تكون إقليما مغربيا لولا اعتراض الجزائر الذي أنجب حركة البوليساريو، ودعا إلى تأسيس جمهورية صحراوية.

والصحراء المتنازع عليها ذات مساحة هائلة (ربع مليون كيلومتر مربع، مقارنة بستة آلاف كيلومتر مربع، تمثل أراضي السلطة الفلسطينية)، وأرضها كريمة بالفوسفات، ولها ساحل طويل من ألف كيلومتر رائع للصيادين، وربما للمصطافين لاحقا.

مع أننا نلم بالقليل عن النزاع إلا أنني أميل، مثل أكثرية العرب، إلى اعتبارها مغربية، ليس تقليلا من حق البوليساريين، أو انتقاصا من موقف الجزائريين، بل لأنها باتت مغربية منذ خروج الاسبان، كما صارت هونغ كونغ صينية قبل عقد مضى، مع أن فيها من تمنى أن تكون جمهورية مع انسحاب الإنجليز منها. ومثلها مثل ضم الأقاليم التائهة التي ضمت تعسفا، وصارت جزءا من الدول ذات السيادة كالجنوب في السودان، الذي لا علاقة له بالسودان لغة ودينا وتاريخا، أو إقليم كردستان الذي ضمه الإنجليز للعراق، مع أن الأكراد أيضا ليسوا عربا ولا عراقيين.

وهذه منطقة معقدة وخطرة، أعني الجدل التاريخي وتطبيقه على أرض الواقع، لأن معظم حروبنا اليوم نزاعات حدودية بما فيها أم القضايا فلسطين. سيرد مؤيدو الجزائر بأن التاريخ المعاصر مليء أيضا بالشواهد على نزع الأقاليم حتى بعد ضمها ومنحها الاستقلال. وأحدث الشواهد دول البلقان التي ظلت تتبع بلغراد نصف قرن، ثم فككت إلى دول باعتراف الأمم المتحدة ورعايتها. وكذلك فصلت سلوفاكيا عن التشيك سلما. ومن خلال الفوضى نزعت تيمور من اندونيسيا وأعطيت سيادة وعلما ونشيدا وطنيا ومقعدا في الجمعية العمومية.

تفاصيل الصحراء لا تسهل على أحد فهم القضية ولا حلها. الاستفتاء الأممي مثلا يصطدم بادعاء المغرب أن الجزائر منحت هويات «صحراوية» لجزائريين تزويرا. وكذلك يقول الجزائريون إن صحراويي المغرب هم مغاربة صحرايون ملفقون. وبالتالي لن يتعرف عمرو موسى، الأمين العام العربي، على من هو الصحراوي فما بالنا ببان كي مون وهو كوري مقيم في نيويورك، أمين الأمم المتحدة الذي تصدى للمشكلة بشجاعة تقدر له.

نزاع الصحراء، كما يدركه السياسيون، فعليا يعكس الخلاف بين الرباط والجزائر مهما اختلفت العناوين، ولن يحل الموضوع إلا باتفاق بين قيادتي البلدين، وخلف أبواب مغلقة. وقد سار الطرفان خطوات قليلة جدا باتجاه الحل. المغاربة طرحوا فكرة الحكم الذاتي على أن تبقى الصحراء تابعة للتاج المغربي، ورد الجزائريون بطرح بوليساري يقول بإقامة جمهورية مع إعطاء حقوق للمغاربة من الصحراويين. ثم دخل الأمين العام بان، ودعا إلى حوار بين الأطراف الثلاثة. ولا أظن أننا سنرى نتيجة حاسمة لأن العناد مستمر بين الجارتين، مع أن النزاع يأكل الأخضر واليابس، ويقبع العديد من المغاربة مسجونين منذ سنين في الأسر «البوليسارزائري»، والعكس صحيح أيضا في السجون المغربية. ومنذ ثلث قرن يقف مائة ألف جندي مغربي قبالة آلاف من البوليساريين، يفصل بينهم جدار ترابي ظل شاهدا على هذه الفوضى غير الخلاقة. فهل يستحق الأمر كل هذا؟

[email protected]