شكرت.. ثم شكرت

TT

أصبت خلال الصيف الماضي بأزمة في الجيوب الأنفية ضيقت عليّ صدري فضاقت بي الأرض. وكان عليّ أن أمر في مدريد عائدا الى بيروت. ولم أجد غرفة في فنادقها المزدحمة، وكل ما عثرت عليه هو غرف صغيرة في فنادق لا بهو فيها. وبما أنني كنت أستيقظ في الليل لأمشي طالبا التنفس، فلم أستطع القبول بفنادق من هذا القبيل. واضطررت الى الاستعانة بصديق يملك فندقا فخما. ولم يسهل لي الغرفة فحسب، بل عندما وصلت الى الاستقبال أبلغني الموظف أنني ضيف صديقي. وشكرت. وصعدت الى الغرفة الجميلة وشرعت في فتح حقيبتي، فرن الهاتف. وكان صديقي على الخط: «إن شاء الله مرتاح؟ كيف الغرفة؟ كيف استقبلوك». وشكرت. ثم عدت الى الحقيبة. لكن الهاتف رن من جديد. وكان صديقي. وقال لي: «نسيت أن أقول لك إن الفطور هو أيضا ضمن الضيافة. إياك أن تخجل من طلب أي شيء». وشكرت.

اسوأ ما عندي في السفر أن أوضب حقيبة وأن أفرغها. وفي كل سفرة، مهما كانت قصيرة، توضب زوجتي حقيبتي على أساس أنها تتسع لمؤونة كافية، لكنني أعود دائما ومعي حقيبتان، أرمي فيهما الملابس كيفما اتفق. وفيما أنا في هذا الشغل الشاق، رن هاتف الغرفة الجميلة من جديد. هذه المرة كان موظف الاستقبال: «لقد اتصل بنا صديقك. وأوصى بك كما يوصي بنفسه. أرجوك لا توفرنا في أي خدمة. وقد طلب أن نرسل اليك الصحف العربية في الصباح». وشكرت.

وبعد لحظات رن الرنان. أو كما يغني زياد الرحباني «عودك رنان». ورنَّ عود الفندق. وكان الموظف. وقال مستدركا معتذرا: «نسيت أن أقول لك، الصحف العربية مجانا على حسابنا». وشكرت. وشعرت بالالتهاب في الجيوب الأنفية يستفحل. ودخلت الى الحمام أحاول الاغتسال من عرق السفر. وفيما أنا تحت المرشة رن العود. أي العود الرنان. وخرجت مبللا أبلل سجادة الغرفة الجميلة. وكان صديقي على الخط: «هل اتصلوا بك ليقولوا لك إنني قلت لهم أن يرسلوا الصحف العربية الى الغرفة في الصباح». وشكرت. لكنه استطرد قائلا: «معقول تنزل عندنا ولا تقرأ مقالتك في الصباح». وشكرت. وارتديت ثيابي بسرعة وخرجت أرطب أعصابي بأضواء مدريد. وتعمدت العودة متأخرا، بحيث يكون موظف الاستقبال قد ذهب الى النوم، وصديقي قد ذهب الى العمل، بالتوقيت المحلي.

وفي الصباح فتحت الباب فوجدت الصحف ملفوفة كرزمة ورق من أوراق رسائل الحب، أو كباقة زهر اصطناعي، ومعها بطاقة من مدير الاستقبال: نرجو لك إقامة طيبة. ولا تنس أن ترد سماعة الهاتف الى مكانها. إننا نحاول الاتصال بك للاطمئنان عن أن كل شيء على ما تريد. لا تنس أنك ضيفنا. وشكرت.