حوار الطوائف

TT

افتتح مؤخرا في لندن معرض في المكتبة البريطانية لا يقل هيبة عن هيبة هذه المكتبة العريقة والشهيرة، وكان بعنوان «مقدس: اكتشاف المشترك بيننا». نعم، عنوان غريب ولكن الغرض والموضوع يتضمنان الجمع بين تراث الأديان السماوية الثلاثة، المسيحية واليهودية والإسلام. تضمن المعرض مخطوطات نادرة باللغات العربية والعبرية واللاتينية وكذلك منسوجات ونحاسيات وفضيات ونحو ذلك من المخلفات التاريخية لأبناء هذه الأديان الثلاثة. وكان جلها من المملكة المغربية التي تعايشت على أرضها هذه الأديان الثلاثة لعصور.

حضر من المغرب الاستاذ احمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي ليلقي محاضرة بالمناسبة عن الإسلام والديمقراطية. بيد ان المعرض والمحاضرة ساهما بصورة خاصة في اذكاء موضوع التقاء الأديان الثلاثة. الحقيقة ان المتحف البريطاني قدم من جانبه معرضا آخر توخى نفس الغرض وحمل نفس الرسالة.

وهذه رسالة ومحاولة دخل فيها الكثير من الباحثين الإسلاميين ليؤكدوا على هذه النقطة، وهي التقاء الحضارات بدلا من نزاع الحضارات الذي طرحه مفكرون غربيون آخرون. في مقابل الإسهام في عمليات العنف ضد المسيحية الأوربية والجمهور الغربي، برز الكثير من المفكرين والإعلاميين العرب، وأيضا الغربيين المتعاطفين مع العرب والاسلام، الذين طرحوا فكرة التقاء الحضارات وانسجام الديانات السماوية الثلاثة تاريخيا وفكريا وروحيا بدلا من طروحات التناقض والتنازع.

هذا كله مجهود مشكور ومحمود، ولكن شيئا واحدا يثير اهتمامي. تجري هذه الحملة في الوقت الذي أصبح فيه المسلمون ذاتهم منقسمين على أنفسهم طائفيا ومذهبيا. في كثير من الدول الإسلامية، وفي مقدمتها العراق الآن، يتنازع ويتقاتل ابناء السنة والشيعة والطوائف الأخرى. في العراق أرغموا العوائل على النزوح من بيوتها لاختلافات طائفية. ألا يجدر بنا والحالة هذه ان نفكر بحوار الطوائف وتعايش الطوائف قبل ان نفكر بحوار الأديان والحضارات وتعايشها؟

لم تقتصر عمليات التهجير على الطوائف الإسلامية فقط. قالت الأنباء من العراق ان بعض المسلمين هددوا المسيحيين بالإجلاء من بيوتهم كما في منطقة الدورة، هددوهم بأن يُخرجوا من بيوتهم ويتركوا فيها كل ما ملكوا من منقولات، أو يدفعوا الجزية أو يعتنقوا الإسلام. بأي وجه نواجه الغرب والعالم ككل اذا كان هذا ديدننا في عقر دارنا؟ اذا كان هذا موقف المسلم من المسيحي، وموقف السني من الشيعي أو العكس، فكيف ننتظر من الغير ان يتقبلوا دعوتنا بانسجام الحضارات والتقائها وتعايش ابنائها.

الموقف واضح. قبل ان نسعى لإقناع احد بالتقائنا معهم تحت مظلة واحدة علينا أن نقنع بعضنا البعض بانتمائنا الى دين واحد هو دين الإسلام، وحضارة واحدة هي الحضارة الإسلامية، وتاريخ مشترك واحد هو تاريخ الأمة الإسلامية. ما لم نتوقف عن اضطهاد وقتل وتشريد بعضنا البعض، فلن ينجح أي معرض أو طرح أو لقاء في إقناع الآخرين بمصداقية دعوتنا أو استعدادنا للتعايش مع الغير أو انسجام حضارتنا مع حضارتهم.

دعونا نعقد ندوات ومؤتمرات عن حوار الطوائف.