وحيدا في قفص الاتهام

TT

اعتدنا أن نطلق على «الأهبل» لقب ثور حتى تسلل الخبر خلسة ـ ذات يوم ـ إلى حظائر الثيران، فثارت لكرامتها، وانطلقت مجموعة منها من مرابطها في ميناء جدة لتسرح وتمرح في شوارع المدينة، ناطحة ورافسة كل من يقف في طريقها، ومخلفة قتلى، وجرحى، وحكايات ساخرة، أصبحنا بعدها نعاير بعضنا بعضا في الشوارع بعبارة: «جاك الثور»..

والثور مثل الحمار تعرض في مجتمعنا العربي إلى الكثير من الإساءة إلى سمعته، فقد ألصقنا به زورا وبهتانا تهم الغباء والرعونة وضعف الإدراك، حتى أنني أكتب هذا المقال وصوت جاري يتعالى في فضاء الشارع خالعا على ولده الأهبل لقب ثور.. ومن حق كل ثيران العالم الاحتجاج على ذلك التشبيه، فابن الجيران هذا لا يشبه إلا نفسه.. وبعد أن وجد الحمار من ينصفه من أمثال توفيق الحكيم وحمزة شحاتة وغيرهما ظل الثور وحده في قفص الاتهام لولا دعم سخي يحظى به أحيانا من دول تصدر اللحوم والألبان، وفي مقدمتها ذلك البلد البعيد «نيوزيلاندا»، حيث لا يمكن لزائر ذلك البلد أن يمر أو يعدي دون أن يتشرف بزيارة زعيم الثيران الذي يعتبر الأب الرسمي لملايين الأبقار النيوزيلاندية، وكاتب هذه السطور قد وجد نفسه ذات يوم ضمن وفد إعلامي شرق أوسطي كبير، ضم صحافيين من السعودية والكويت ومصر ولبنان والمغرب وإيران، وجها لوجه في حضرة ذلك الثور، الذي تطلب الدخول إليه تعقيمنا كي لا نصيب الثور بن الثور بأية عدوى، وقد ثارت يومها كرامة الوفد الشرق أوسطي من طهران لتطوان، ومارسنا الاحتجاج والشجب والاستنكار من دون أن يلتفت إلينا أحد.. ومن غيظنا سألنا أحد المرافقين عما سوف يفعلونه بذلك الثور حينما يهرم، فأجاب من دون أن يهتز له جفن: «نقطعه هامبرجر»!!

وحينما عدنا إلى فندقنا «النيوزيلاندي» الصغير بالقرب من حظائر الثيران رحنا نثبت مؤشر التلفاز على قناة إسبانية تبث مباراة ساخنة بين الثيران ومصارعيها، وتعالت أصواتنا ـ لأول مرة ـ تشجيعا لأولئك المصارعين الغلاظ، بينما كان النيوزيلانديون ـ على الضفة الأخرى ـ يذرفون الدموع على هزيمة الثيران..

ومن أجمل مكاسب هذه الرحلة أنني عدت أحمل نظرة منصفة للثيران، ومثلها أيضا لابن الجيران.

[email protected]