يا طيب القلب وينك؟

TT

أفكر دائما بأن الأصل في الأشياء هو الخير، كل الناس في نظري طيبون إلى ان يثبت العكس. في الاسبوع الماضي، بينما كنت في انتظار دوري في القنصلية لكي اجدد جواز سفري نظرت إلى الوجوه الطيبة وتذكرت ما رواه لي السائق الاسمر في القاهرة عن ما كان من امره وهو في الثالثة عشرة مع نقود عثر عليها هو وصديقه في الطريق وأعاداها إلى صاحبها الذي كان يحلم بالسفر إلى فرنسا لاكمال تعليمه. ورغم غيابه في فرنسا سنوات، لم ينس صاحب النقود حُسن الصنيع وعاد إلى الوطن وبيده هدية لكل من الصبيين مكافأة على الامانة.

أخرجني من مدارات افكاري، صوت امرأة تبكي والموظف يقول لها بحدة إن ما تطلبه خارج عن نطاق مسؤوليته، وانها ـ كما قال لها للمرة العاشرة ـ لا بد ان تستشير محامياً. خرجت المرأة لا تلوي على شيء ولمحتها وهي مندفعة إلى الخارج: امرأة شابة في نحو الثلاثين، بيضاء البشرة ترتدي الحجاب، أوروبية مسلمة على ما بدا. كانت الدموع تسيل على خديها. حدثتني نفسي بأن اندفع وراءها لتقديم المساعدة، لكني خفت ان تظنني مجرد فضولية. قمت وتوجهت إلى الموظف لكي أسأل ما خطب المرأة الباكية. فنظر نحوي نظرة مستطلعة وأجابني بتحفظ، بأنها تزوجت مواطناً، وأنه ـ أي الزوج ـ وبعد شهر واحد، اختفى عن الانظار تماماً ومعه كل ما تملك الزوجة من مال ومتاع. قلت له وانا اتلمس طريقي إلى موقف: مسكينة، قال نعم، قلت ولماذا كانت تبكي؟، قال: كثير من المشكلات التي تصادفنا مشاكل كبيرة واصحابها يطلبون المستحيل.

هممت بأن اقول إنه ما كان يجب أن يعاملها بمثل هذا الجفاء، لكني لم افعل، واستعذت بالله.

لم يفارقني وجه المرأة طول اليوم. حجابها دل على أنها إما اسلمت قبل الزواج او بعده. وهل يمكن لمثلها ممن سبحن عكس التيار الثقافي الذي نشأت به حين اعتنقت دينا غير دينها أن تثق بدينها الجديد أو بمن يدينون به بعد تلك التجربة القاسية؟ هل يهتز ايمانها؟ هل يسرع ذووها لمساعدتها بعد ان تنكر لها اهلها الجدد؟ هل يسخر منها بعض الاصدقاء ويتشفى البعض؟

أولم يكن من الممكن ان يقول لها موظف القنصلية قولا كريماً يريحها إن لم يستطع ان يقدم لها المساعدة القانونية؟.. كان من الممكن أن يقول لها إنه سجل اسم الزوج المواطن، وانه سوف يدونه في قاعدة المعلومات كشخص مطلوب للاستجواب، حتى لا تقع في حبائله امرأة اخرى. كان من الممكن ان يقترح عليها اسم محام، أو ان يقول لها إن كنت بحاجة إلى اي نوع من المساعدة التي يمكنني ان اقدمها لك فأنا على استعداد. لكنه لم يفعل. فبكت يأساً وخرجت لا تلوي على شيء.

العنصرية انواع، لكن لكل الانواع قاسماً مشتركاً وهو ان تجرد الآخر من صفاته الانسانية، لأنه يختلف عنك في الدين او العِرق او اللغة، عندها يمكن ان تقول له ما تريد وان تفعل به ما تريد، لأنك في لحظة القول او الفعل لا تنظر إليه على انه بشر مثلك من دم ولحم.

ولا شك ان الزوج المارق ظلم تلك الزوجة، ظناً منه بأنها لن تشعر بوطأة الصدمة كما تشعر بها زوجة من وطنه، أو لعله خائن بطبعه، ولو كانت زوجته تلك بنت بلده لفعل بها ما فعل بالزوجة الاوروبية، لأن له نفساً جُبلت على الخيانة والشر.

تذكرت في تلك اللحظة لماذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الناس قبل وفاته، بأمرين فقط. أوصى بالصلاة أولا، ثم أوصى بالنساء.

الرجل الطيب طيب في بيته، طيب في مكان العمل وفي الطريق العام، وأينما كان يعامل كل النساء برفق وأمانة.