الغضب الساطع وصل!

TT

لم يعد جديدا ولا غريبا مشهد اقتتال الفلسطينيين مع بعضهم البعض، بقدر ما أصبح مفجعا ومأساويا. لم تعد مثيرة للشفقة مشاهد الخطابات والملاسنات التي تتوالى على الفضائيات بين الفصائل الفلسطينية بمختلف أشكالها وتوجهاتها، بقدر ما باتت مثارا للشفقة. انتهت أكذوبة وأسطورة أن الدم الفلسطيني هو خط أحمر، ولا يمكن أبدا السماح لأي طرف بهدره، وبات حجم الدمار والغضب الموجه من الفلسطينيين لبعضهم يسمح بأوجه المقارنة لما كان يحدث مع العدو الاسرائيلي نفسه. ذكرى النكبة تحل هذه الأيام على الفلسطينيين تحديدا والعرب عموما بنكبة أخرى من نوع مخجل، نكبة تسلط الضوء على كيف أن الصراع البيني الفلسطيني على السلطة والكرسي بات أهم بكثير من الحفاظ على الأرض.

المنظومة السياسية التقليدية والمتعلقة بسيطرة المليشيا والتنظيم على عقلية الدولة والقانون، يجب أن تشهد أيامها الأخيرة في سبيل إنقاذ ما تبقى من الحلم الفلسطيني، لأن استمرار الاقتتال والتناحر الحاصل بين الفلسطينيين أنفسهم من شأنه، أن يواصل تآكل أي شعبية أو جدارة أو مصداقية موجودة للمشروع السياسي في فلسطين، وليس من المجتمع الدولي فحسب (وهو التأييد الهش جدا أصلا) ولكن حتى من قلب المجتمعات العربية، كان مشهدا مهيبا ذلك الذي جمع أقطاب السياسة الفلسطينية المختلفين في مكة المكرمة وفي بيت الله الحرام، وتعاهدهم واتفاقهم ووعودهم بعدم العودة للعبث والاقتتال البيني.

لكن يبدو أن شهوة السلطة ورائحة الدم وغريزة الانتقام كانت أقوى بكثير من قيمة الالتزام واحترام الكلمة وشرفها. لا توجد خطة أكثر إحكاما ولا أقوى وأبلغ وقعا من الذي يحدث في فلسطين للانتحار السياسي وتصفية كل قيمة ومبدأ بنيت عليه أهم قضية عربية عبر خمسة عقود من الزمان الأليم. لا يوجد أي نوع من التعاطف أو أي نوع من التفهم لما يحدث على الساحة الفلسطينية، وهو في أحسن أحوال وبأفضل تقدير، وفي أعلى درجات إحسان الظن يوصف ما يحدث بأنه عبث. الفلسطينيون لم يعد لهم «كبير» ولم يعد هناك حدود مقدسة لا يمكن تخطيها.

لقد فقدت الرئاسة والحكومة الفلسطينية كل دعم من شعبها والمجتمع الدولي، مقدمة للعدو الاسرائيلي وصفة مثالية لمضاعفة أعداد الضحايا باغتيالات واجتياحات على الفلسطينيين لتضييع أرقام الضحايا وسط زحام الأخبار المحبطة والحزينة. لا كلام الرجال بات له قيمة، ولا الاتفاقيات والتعهدات البينية باتت تساوي قيمة الحبر والورق المكتوبة عليه!! إنه حال يائس وحزين. هل باتت اللغة المجنونة والدموية هي الوحيدة الممكن تداولها في غزة؟ هل غاب العقلاء للأبد؟ سؤال لن يستطيع الاجابة عنه سوى الفلسطينيين أنفسهم.

ولكن هناك سؤالا غريبا ومثيرا، ويجب أن يطرح لماذا «انفجرت» الأوضاع الفلسطينية بهذا الشكل الفوضوي وبدون سبب «حقيقي»، وذلك بعد الاعلان عن جدول للمحكمة الدولية في لبنان من قبل الأمم المتحدة؟ اختلاط الأوراق أمر طبيعي، فنحن في الشرق الأوسط لا تنسوا! كانت فيروز تغني عن تحرير فلسطين، وتتوعد بأن الغضب الساطع آت.. أتمنى ألا يكون ما يحدث من مهزلة في غزة هو ما قصدته فيروز!

[email protected]