أين الشريط أيها المخرجون؟

TT

لم يبدأ شعوري بالخوف على لبنان مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فعلى حجم الجريمة، اعتقدت أنها قتل سياسي آخر في بلد مستباح ومستضعف، ويمكن لأي فريق عربي، بقليل من القوة أو شيء من الاستقواء، أن ينكد عليه حياته. وسبب هذا الاستسلام لمثل هذا الواقع، هو المعرفة بأن في لبنان، دائما، فئة قابلة للشراء، نقدا أو بالأجل. وكل فئة مرت في تجربة من هذا النوع، ليس فقط بسبب حال الارتخاء في المفاصل حيال السلطة أو المال، أو كليهما، بل أحيانا بسبب الخوف، وأحيانا بهدف الانتصار على فئة أخرى، ولذلك كانت الخريطة السياسية في لبنان أشبه بقوس قزح دام، تتغير مواقع الألوان ومراتبها فيه، بتغير نفوذ القوى المؤثرة، وتحول الفئات الداخلية التي لم تفقد فقط كل حس وطني أو إنساني، بأهلها وشعبها وأرضها، بل فقدت أيضا أي حد أدنى من الحياء والاستحياء، وحولت كل خيانة إلى مبرر. ولم يبق وقح إلا وله مطالعة في كل خيانة، يوماً هنا ويوماً هناك. وغداً يوم آخر.

لذلك، كما قلت، لم أشعر بالخوف على البلد بعد اغتيال الرئيس الحريري. فهذا بلد اعتاد أن يغتال الرؤساء فيه من دون صدور تقرير عن مخفر الشرطة. وعندما اغتيل الوزير اليمني محمد النعمان سئل والده الرئيس احمد النعمان إن كان سيدعي على أحد، فأجاب المفكر الكبير أن لبنان بلد لا يتحمل عبء التحقيق في جريمة. فقد كان النعمان يعرف قاتل ابنه ويعرف أنه أقوى من هزال النظام اللبناني القائم على التراضي.

وثمة جملة لا مثيل لها في تاريخ الأدب السياسي أطلقها السيد عمر كرامي عندما طلع بحكومته على اللبنانيين إذ قال: «ليس بالإمكان أفضل مما كان». أي انه قبل بتشكيلة سيئة وعلى مواطنيه أن يرتضوا هذا السوء.

بدأت أشعر بالخوف على لبنان عندما سادت، بعد اغتيال الرئيس الحريري، لغة العنف، وتساوى الخطاب السياسي مع تعابير الأزقة وبذاءة الشوارع. ولم يعد يهم السياسيين أن يهذبوا ألفاظهم ويؤدبوا مجالسهم ويغلفوا أقوالهم ولو بشعوذة أخلاقية كاذبة. عندها شعرت أن ثمة مسارا مدبرا لإنهاء لبنان وتفكيك صيغته وضمه إلى الدول غير القابلة للحياة.

ولم أتوقع كنتيجة لهذا الانحطاط الأخلاقي وسقط الخطاب وتبسيط السفه وبسط العنف، سوى شيء مثل أحداث نهر البارد، بل هي أقل ما توقعت. لأن ما حدث حتى الآن لا يمثل شيئا مما أفضت إليه لغة السياسيين اللبنانيين وهمجيات العنف اللفظي، وسقط النوايا والخبايا. بالعكس، يجب أن نشكر إخواننا في «فتح الإسلام» القادمين من الأردن وسورية وبنغلاديش وتونس والعراق، لأنهم اكتفوا بذبح أربعة من جنودنا دون أن يعرضوا ذلك في فيديو، مخيبين بذلك الفضائيات المتلهفة إلى الأشرطة.