محاولات تهميش دور الإخوان في الحياة السياسية المصرية

TT

أسفرت المعركة الانتخابية البرلمانية في مصر أواخر عام 2005م عن فوز الإخوان المسلمين بـ 88 مقعدا (20% من المقاعد) عدا 40 مقعدا أخرى لصالح حزب السلطة الحاكم. وبقدر ما كان هذا الفوز غير متوقع بالنسبة للكثيرين ـ بقدر ما كان صادما لحزب السلطة الحاكم والقوى الحزبية الأخرى، خاصة أن حزب السلطة لم يحقق ـ قبل أن ينضم إليه المستقلون ـ سوى 145 مقعدا (أي ما نسبته 33% من المقاعد) ـ رغم الخروقات والتجاوزات الكبيرة التي جرت من جانبه، وخاصة أيضا أن القوى الحزبية لم تحصل إلا على 12 مقعدا فقط. هذا الوضع ألقى بكثير من المخاوف والهواجس والقلق لدى حزب السلطة الحاكم، الأمر الذي بيت النية معه لاتباع استراتيجية تستهدف ضرورة اتخاذ تدابير إعلامية وسياسية وأمنية وقانونية ودستورية لتهميش دور الإخوان في الحياة السياسية المصرية.

ثم جاءت الانتخابات الفلسطينية التشريعية في 25 يناير من عام 2006م بما لم يكن في التصور أو الحسبان، إذ رغم الاحتلال والظروف القاسية التي يعيشها شعب فلسطين فازت حماس بأغلبية كاسحة أعطتها الحق في تشكيل الحكومة، وهو ما ألقى بمزيد من المخاوف لدى الأنظمة والحكومات على المستويين الإقليمي والدولي. وعلى أثر ذلك تصور بعض المراقبين والمحللين أنه في حالة إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة مع توفر إرادة سياسية في أي من بلدان الوطن العربي والإسلامي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق فوز للإخوان ـ بنسب معقولة ـ تمكنهم بدرجات متفاوتة من تغيير الواقع السياسي في هذه البلدان، وهو ما عزز المخاوف لدى مصر والأنظمة العربية.

وتم البدء في الاستراتيجية المذكورة بتوجيه ضربات موجعة ومركزة ـ وعلى فترات ـ للجماعة وذلك بإلقاء القبض والاعتقال للعناصر المفصلية داخلها. وكان الهدف الواضح هو حرمان الإخوان من استثمار فوزهم في الانتخابات البرلمانية، فضلا عن تعويق حركة الجماعة من خلال إرباك خططها وتحجيم نشاطها وقمع حراكها السياسي، خاصة أن مصر كانت مقدمة آنذاك على تعديلات دستورية يصر حزب السلطة الحاكم على تمريرها بأية وسيلة وبدون أدنى معارضة، خصوصا أن له تجربة مع الإخوان في التظاهرات التي عمت مصر أثناء نظر تعديل المادة 76 من الدستور في مايو عام 2005م

وجاءت حادثة العرض الرياضي بجامعة الأزهر ـ والذي روجت له الأجهزة الأمنية وبعض الصحف المرتبطة بها على أنه ميليشيات عسكرية ـ لكي يبدأ حزب السلطة الحاكم في شن حملة إعلامية شرسة ضد الجماعة تستهدف تشويه صورتها وتأليب الرأي العام عليها. فكانت هذه بمثابة قنبلة الدخان التي تسبق الاقتحام في العمليات الحربية، إذا بدأت الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام وإخوانه في رسالة تصعيدية مع الجماعة بصورة غير مسبوقة. وفوجئ المجتمع المصري بفرض حظر على أموال ومنقولات وشركات ومؤسسات اقتصادية قانونية تابعة لهؤلاء الأفراد بزعم أنهم قاموا بغسل أموالهم. وكان الهدف هذه المرة هو محاولة تلويث سمعة الجماعة عن طريق إيهام الرأي العام بأن هؤلاء الأفراد يقومون بعمل مناف للقانون.

وجاء القضاء الطبيعي بتاريخ 26/1/2007م فأصدر حكمه بإخلاء سبيل المتهمين فورا من سراي المحكمة وإلغاء كافة قرارات الحبس الاحتياطي، إلا أن وزارة الداخلية أصدرت قرار اعتقال لهم في اليوم نفسه، مما يدل على إهدار أحكام القضاء. ثم تبع ذلك مباشرة قرار رئيس الجمهورية بتاريخ 5/2/2007م بإحالة هؤلاء إلى المحكمة العسكرية كي يقطع الطريق على القضاء الطبيعي من أن يمارس دوره، وكي يؤكد حزب السلطة الحاكم على عناده وغلوه في الخصومة تجاه الجماعة بالرغم من رفض وانتقاد منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمة العفو الدولية وإبداء قلقها وانزعاجها إزاء توسع السلطة في استخدام قانون الطوارئ الذي تعهدت الحكومة أمام مجلس الشعب بعدم استخدامه إلا في حالتي المخدرات والإرهاب.

وتعتبر هذه القضية هي القضية السادسة التي يحال فيها الإخوان إلى محاكم عسكرية، فكانت هناك قضيتان في عام 95 وقضية عام 96 وقضية رابعة عام 1999م وخامسة عام 2001م.

ومن نافلة القول التذكير بأن المحاكم العسكرية ليست قضاء مستقلا، فهي تابعة لوزارة الدفاع ـ أي السلطة التنفيذية ـ ثم إنها لا تكفل حق التقاضي أمامها، ولا يطعن على أحكامها وقد أنشئت ليحاكم أمامها عسكريون وليس مدنيين.

وتم الطعن من جانب الإخوان على قرار رئيس الجمهورية بإحالة الإخوان إلى المحكمة العسكرية أمام القضاء الإداري الذي أصدر حكمه التاريخي يوم 8/5/2005م بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية حيث أن المدعين لم يرتكبوا أيا من أفعال القوة، كما لم يتم استخدام للسلاح أو العنف لترويع المواطنين وهى الحالات التي من أجلها منح رئيس الجمهورية سلطة الإحالة إلى المحكمة العسكرية، هذا فضلا عن أن بعض المدعين قد سبق محاكمتهم عسكريا في القضية رقم 8 لسنة 1995م وتمت معاقبتهم بالسجن لمدد مختلفة قضيت بالفعل، ثم تم القبض عليهم مرة أخرى وهو ما يخالف حكم المادة 66 من الدستور، وأن بعض المدعين سبق لهم منذ عام 1995م الطعن بعدم دستورية المادة السادسة الفقرة 2 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة ،1966 ولم يفصل فيها حتى الآن!!

ولأن حزب السلطة الحاكم درج على إهدار العشرات، بل المئات من الأحكام القضائية، فلم يقم بتنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري (الواجب النفاذ) وقام بالطعن على الحكم أمام الإدارية العليا (دائرة فحص الطعون) التي قضت في جلستها السريعة والعاجلة بتاريخ 14/5 بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري، كما رفضت المحكمة طلبي رد المحكمة المقدمين من زوجتي وأبناء خيرت الشاطر وأحمد شوشه واللتين استندتا إلى أن أعضاء المحكمة منتدبون كمستشارين قانونيين لدى جهات حكومية، وبالتالي عدم صلاحيتهم للفصل في الطعن.

إن القضية التي نحن بصددها قضية سياسية بالدرجة الأولى يستخدم فيها حزب السلطة الحاكم كل وسائله وأدواته، وأن الجانب القانوني والقضائي فيها في ظل تغول السلطة التنفيذية على كل من السلطتين التشريعية والقضائية لن يحسم لصالحنا ـ رغم هشاشة الاتهامات وتهافت الأدلة وضعف التكييف القانوني للقضية.. ومع ذلك فلن نترك هذا السبيل، لكن علينا أن نمضي في خطنا الإعلامي والسياسي أملا في كسب الرأي العام الذي يبدي في كل موقف تعاطفه الكامل معنا، ويستشعر مدى الغبن الواقع علينا.

* النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر

[email protected]