«حفلة مولد» مهيبة

TT

من وجهة نظري، لم يكن غريبا أن يحضر حفلة المولد هذه عضو هيئة كبار العلماء في السعودية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله التركي، وكان أيضا من الطبيعي أن يحضر لفيف من المشايخ والمفكرين والأكاديميين ورجال الأعمال والإعلاميين، بل إن الأمير الأكاديمي الدكتور سعود بن سلمان بن محمد قد ألقى كلمة الحفلة الترحيبية.

الكل في تلك الليلة بارك هذه المناسبة الإيمانية، والكل غمر جوانحه شعور بالفرحة والبهجة في إحياء تلك الليلة النبوية المباركة، والكل اعتبرها نصرة لجناب نبي الرحمة، والكل أعلن عن فخره وشرفه بحضور هذه الحفلة، والكل تعاهد على دعم هذه المناسبة بالمال والجاه والفكر والقلم.

واللافت أيضا في هذه المناسبة النبوية أن الذي وجه الدعوة لحفلة المولد هذه الأمين العام الدكتور عادل الشدي الذي ترجع أصوله إلى «حريملاء» البلد الذي ينتمي إليه الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» رمز السلفية العالمي والمحارب المتمرس والشرس للبدع والمبتدعين.

هو حقا مولد !!! ولكن المولود هذه المرة هو «المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته»، الذي أعلن الثلاثاء الماضي عن انطلاقته الدكتور عبد الله التركي المشرف العام على هذا المركز، هي حقا فكرة رائدة وواقعية وموضوعية وعملية لنصرة حقيقية ومؤثرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

صحيح أن فكرة هذا المركز العالمي جاءت ردة فعل للإساءات المتكررة لجناب المصطفى في عدد من وسائل الإعلام الغربية، وآخرها وأشهرها الرسومات الدنماركية السخيفة فكرة وعرضا، إلا أن الصحيح ايضا أن هذا المركز العالمي هو بديل عملي يتجاوز ردود الأفعال غير المنضبطة، التي وإن كان دافعها الغيرة والحماسة للرحمة المهداة، إلا أنها أحيانا تأخذ صفة الانفعال العاطفي الذي قد يأتي بردود أفعال إثمها أكبر من نفعها، كأن تتحول المسيرات والمظاهرات المناصرة إلى غوغائية تحرق وتدمر، إذ أن نبل الغاية لا يلزم منها سلامة الوسيلة، وكلنا ما برح يتذكر ردود الأفعال غير الرشيدة لنشر كتاب «الآيات الشيطانية»، وكيف ساهمت ردود الفعل المتهورة في جعل هذا الكتاب الأكثر مبيعا في العالم في حينه مع انه من حيث القيمة الأدبية تافه بشهادة عدد من الروائيين والأدباء الغربيين.

أنا لا أدعو إلى كبت المشاعر وكتم العواطف التي يستجيب لها الشارع الإسلامي بتلقائية وعفوية جميلة غيرة ونصرة وحماسة للدفاع عن السمعة النبوية، كما أني لا أعترض على هذه المسيرات والمظاهرات التي تنظم في عدد من الدول الإسلامية والغربية، ولكن الاعتراض على ما يصاحبها من ممارسات وعنف وغوغائية، والاعتراض ايضا على الاقتصار على ردود الأفعال العاطفية وعدم التركيز على البرامج العملية المدروسة التي تبنى على رؤى ناضجة وخطط طموحة واستراتيجيات عميقة مثل فكرة «المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته» الذي نحن بصدده.

وددت أيها القارئ العزيز لو أنك كنت معنا في تلك الليلة النبوبة الرائعة، إذ من المستحيل أن يستطيع قلمي أن يعبر عن الشعور الجميل والأجواء الإيمانية الرحبة التي غمرت الذين شرفوا بأن يكونوا أعضاء مؤسسين لهذا المركز المفخرة، وكما قال عضو المركز الشيخ خالد الشايع هي ليلة تذكرنا ببيعة الشجرة (إن الذين يبايعونك تحت الشجرة إنما يبايعون الله)، هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالحماسة لنصرة سيد المرسلين جعلت رجل أعمال سعوديا شابا يعبر بتلقائية جميلة متجاوزا المجاملات والبرتوكولات وطالب بصراحة ووضوح ألا يحرم من شرف عضوية هذا المركز وشرف خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عن جنابه الشريف.

الاحتفال بمولد هذا «المركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته» لم يصاحبه دروشة ولا هز للرؤوس، ولكنه يظل واحدا من التعبيرات الحقيقية والصادقة والعملية لمحبة الرحمة المهداة للثقلين.

[email protected]