رجل بلا عداوات

TT

عندما كنت أهم بالدخول الى بيته كان يودع على الباب ثلة من القيادات العسكرية الامريكية بأجسامهم الضخمة التي سدت الباب، سلمت عليه وبعد قليل التأم في مجلسه، كالعادة، علماء دين، ومثقفون، ومضت الأمسية بالحديث عن الأدب والسياسة والنقاش الجاد بين كل الاطراف. وفي نفس الاسبوع كنت اعلم ان الشيخ على اتصال بالقيادة العراقية عندما كانت مقاطعة، كان ذلك في التسعينات. وبدا الأمر محيرا لمن لم يعرفه، كيف للشيخ ان يلتقي شوارتزكوف، ويهاتف طه ياسين رمضان، ويسافر لملاقاة الاسد في دمشق، ويغدي ابطحي مدير مكتب الرئيس الايراني خاتمي.

الشيخ استأنس في مجلسه السلفيين مع الاخوان، والناصريين، والقوميين، واليساريين والجعفريين والحداثيين والتقليديين. كانت تلك الالوان مألوفة في مجلسه في بيته، وفي رحلاته. عرفناه باباً لأصحاب القضايا والمظالم والأفكار الجديدة، تعودنا عليه بلا خصومات ولا مواقف مسبقة.

الشيخ عبد العزيز التويجري كان دائما مثار حديث المجالس لشخصيته المتميزة محلياً، تراثياً، حداثياً، عروبياً، إسلامياً. لكنه لم يكن بالشيخ النجدي التقليدي المتوجس من كل جديد، ولا المثقف العربي المتبرم دائماً، ولا السياسي المكرر بلا لون او طعم. رأى فيه الجميع، على اختلاف توجهاتهم، رجلاً بلا خصومات في مجتمعه، ولا عداوات خارجه. وأنا اتحدث هنا عن شخصية مؤثرة عاشت قرنا مضطرباً. عاش الشيخ حياة عصامية مليئة بالأحداث، وعايش، على مستوييه الرسمي والشخصي، احداثا جللاً، ومع هذا ظل رجل الشعرة التي لم تنقطع مع أحد حتى في أحلك الأيام وأفدح الخسائر.

انه اشبه بالشخصيات التاريخية الخرافية القديمة، في حبه للتراث والتواصل والتحدي والتقدم والحضور. لا اعرف قط مجلسا كمجلسه في تنوعه، سواء عندما كان يزور لندن، او لما كنا نزوره في الرياض. كنا نستغرب ان عددا من الفئات التي على خصومة مع الحكومة، او مع افكاره شخصيا تجدها دائما حوله، يختلفون معه ربما في كل شيء، لكنهم لم يختلفوا حوله قط. كان شخصية يلتقون عندها، وحولها، ويقولون ما يشاءون في حضوره، وعند محاورته. بل كان من خلقه ان يساند الخصوم ضدنا، وضد اولاده، وضد نفسه، حتى لا يشعر ضيوفه بأنهم فريسة المكان المعادي. كان يمنح كل من في المجلس احترامه، ومع انه يعرف اكثر منا في مجريات السياسة الا انه كان يتعمد ان يسألنا عن رأينا.

سألته مرة كيف جعل الكاتب محمد حسنين هيكل يكتب مقدمته عن كتابه عن الملك عبد العزيز، رجل مثل هيكل أمضى اربعين سنة من عمره ينتقد النظام السعودي وتطلب منه ان يكتب المقدمة؟ اجاب مبتسماً: ألا تعتقد انها اعتراف اكثر من كونها شهادة.

في عالم يضج بالخلافات من السهل كسب العداوات لكن من النادر ان تجد رجلا يجمع عليه الناس كالشيخ عبد العزيز التويجري، الذي غادرنا الى جوار ربه، فقدنا أبا وصديقا ومعلما وشهما.

[email protected]