العراق: جهازا مخابرات أحدهما موال لإيران

TT

يوشك النزاع الداخلي في العراق أن يعلن عن ضحية جديدة، هي الاستخبارات الوطنية الحديثة. والضغوط الرامية الى الغاء وكالة التجسس، تأتي من السياسيين الشيعة الموالين لإيران الذين أسسوا مؤسسة منافسة.

والنزاع بين وكالات الاستخبارات العراقية، هو دليل جديد آخر على العنف الذي يدمر البلاد، كما تجلى في تكرار تفجير مرقد سامراء الذي يقدسه الشيعة يوم الأربعاء الماضي. ويقال ان رئيس الوزراء نوري المالكي متردد في موقفه بين دعم الاستخبارات الرسمية والمؤسسة المدعومة ايرانيا والتي تتحداها. ويشعر المسؤولون الأميركيون، الذين يدعمون الوكالة الرسمية بقوة، بالانزعاج من هذا الوضع ولكنهم غير قادرين على ايجاد حل له.

وقد تأسست وكالة الاستخبارات الوطنية العراقية الرسمية في فبراير (شباط) 2004 كقوة غير طائفية، يمكن أن تجند موظفيها ووكلاءها من كل الجماعات الدينية في العراق. ورئيس الاستخبارات اللواء محمد الشهواني سني من الموصل. وهو متزوج من شيعية ومساعده كردي. وعمل الشهواني، الذي كان قائدا للقوات العراقية الخاصة خلال الحرب العراقية الايرانية، على نحو وثيق مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية لفترة زادت على العقد، أولا في محاولة إطاحة صدام حسين، ومن ثم في محاولة بناء مؤسسة استخباراتية فعالة.

والوكالة الاستخباراتية المنافسة، والتي تسمى وزارة الأمن، تأسست العام الماضي بموجب توجيهات شيروان الوائلي. وهو عقيد سابق في الجيش العراقي، عمل في الناصرية في ظل النظام القديم. ويقال انه تلقى تدريبا في ايران. وتضم مؤسسته، مثل مؤسسة الشهواني، خمسة آلاف شخص.

والشهواني موجود الآن في الولايات المتحدة. وما لم يتلق ضمانات دعم من حكومة المالكي، فإنه من المحتمل ان يستقيل مما سيدفع الاستخبارات الوطنية العراقية الى فوضى ويمكن أن يؤدي الى انهيارها.

وكانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية تأمل في ان تكون الاستخبارات الوطنية التي يقودها الشهواني قوة وطنية فعالة ورادعا للتدخل الايراني في الشؤون الداخلية. ومن اجل القيام بعمليات فعالة ضد الايرانيين جند الشهواني رئيس قسم ايران في المخابرات في عهد صدام. وأثار ذلك اعصاب الايرانيين وحلفائهم الشيعة.

اكتشفت عناصر الشهواني عام 2004 ان لدى الايرانيين قائمة من الاشخاص الذين يراد تصفيتهم اخذت من وثيقة لها صلة بسجل رواتب يتضمن أسماء وعناوين كبار المسؤولين، الذي عملوا تحت ظل النظام السابق. وكان الشهواني نفسه من بين المستهدفين بالاغتيال بواسطة الايرانيين. وبلغ عدد الذين تم اغتيالهم من جهاز الاستخبارات الوطني العراقي حتى الآن 140 ضابطا.على الرغم من ان كثيرين في حكومة المالكي ينظرون بعين الشك الى الشهواني، فإن مؤيديه يقولون انه حاول ان يتخذ موقفا مستقلا من النزاع الطائفي في العراق. كما انه قدم معلومات استخباراتية أدت الى إلقاء القبض على عدد من العناصر البارزة في تنظيم «القاعدة»، كما قدم ايضا معلومات استخباراتية حول التمرد السني. أبلغ الشهواني قبل عدة شهور المالكي بمعلومات عن مخطط اغتيال بواسطة حراس كانوا يعملون سرا لدى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، فضلا عن كشف مخطط مماثل لاغتيال برهم صالح، نائب رئيس الوزراء العراقي.

توضح قصة الشهواني جزءا لا يعرف عنه الكثير حول قصة العراق، أي محاولة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تعبئة ضباط عراقيين. للشهواني دور مركزي في هذا الجانب بحكم كاريزميته القيادية. فقد برز اسمه عام 1984 عندما قاد هجوما بمروحية على قمة جبل في كردستان العراق. شعبية الشهواني جعلت منه شخصية خطيرة على صدام حسين، وجرى اعتقاله بالفعل والتحقيق معه عام 1989. فر الشهواني من العراق في مايو (أيار) 1990 قبل الغزو العراقي للكويت، وبدأ في العام التالي تدبير انقلاب عسكري، مستغلا بعض الضباط السابقين الذين سرحهم صدام حسين من القوات الخاصة.

واجهت خطط انقلاب الشهواني العسكري نكسة في يونيو (حزيران) 1996 عندما قتلت المخابرات العراقية 85 من عناصره، بمن في ذلك ثلاثة من ابنائه، لكنه واصل المخطط على مدى السنوات السبع التالية، كما كان يأمل الشهواني وعناصر وكالة الاستخبارات المركزية عشية الغزو الاميركي في مارس (آذار) 2003 في تنظيم انتفاضة وسط ضباط الجيش العراقي. اطلق على شبكة الشهواني السرية «ألفا 77» وفي وقت لاحق «سكوربيونز» (العقارب).

البنتاغون كان يشعر من جانبه بالشك إزاء خطة الانتفاضة العراقية، لذا جرى وضعها جانبا. إلا ان الشهواني شجع أفراد شبكته داخل الجيش العراقي على عدم القتال على امل ان يتلقى الضباط معاملة طبية بعد انتصار الجيش الاميركي، بيد ان جيري بريمر اتخذ قراره الكارثي في مايو 2003 بتسريح الجيش العراقي ووقف الإنفاق عليه. وما حدث بعد يدركه الجميع.

بدلا عن جهاز مخابرات واحد جيد، يوجد في العراق الآن جهازان للمخابرات أحدهما موال لإيران والآخر مناوئ لها. وهذا في واقع الأمر مقياس للوضع في البلاد التي تعصف بها أعمال العنف بين الطوائف المتناحرة ودول الجوار المتنافسة، فيما القوة العظمى الحليفة غير قادرة على مساعدة أصدقائها او وقف اعدائها.

* خدمة «كتّاب واشنطن بوست»

ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)