أسمى وظيفة وأحقر مهمة

TT

ليس كل الاطباء ملائكة، وإن كانت مهنتهم هي أعلى المهن احتراماً وأكثرها عند الناس حاجة لكن لم تتدن توقعاتنا فيهبط بها بعضهم الى مستوى القتل والإرهاب؟ صدمة أكثر عنفاً من كل سابقاتها. الصدمة لم تكن في اخبار التفجيرات المنظمة في بريطانيا لأن أركان العالم مليئة بأخبار العنف، الصدمة التي هزت الجميع ان المجرمين المشتبهين هم اطباء، او من القطاع الصحي.

دكاترة الشر، وصف أطلقته عليهم بعض الصحف اللندنية، بعد ان سميّ الدكتور مجدي يعقوب طبيب القلوب الذي كان رمزا يفاخر به العرب، يعالج الاطفال تطوعا. الاطباء هم خميرة المهنيين، ومحل ثقة الناس، ورمز نجاح أي جالية تبحث عن التقدير، وبالتأكيد هم رأس السلم في الطبقة الوسطي. كيف يمكن ان يفسر المبررون أن طبيباً يمكن ان يخطط لقتل اناس ابرياء، يريدون السفر مع اطفالهم، او مارة في ميدان مكتظ.

هؤلاء هم المرضى، وإن كانت تزين جدران عياداتهم شهادات الطب.

ونقول بكل أسف انهم أساءوا الى أهلهم اكثر من كل الفئات الذين اختارهم تنظيم «القاعدة»، والدول الممولة له، ليقوموا بمهام قذرة. فـ«القاعدة»، التي صارت مجرد اسم لحركات اخرى وتديرها دول تتخفى باسم التنظيم القديم، نجحت في التضييق على العرب والمسلمين، وتخريب سمعة دينهم ومجتمعاتهم في بلدانهم ومَهَاجِرهم التي رحلوا اليها. اختاروا ائمة مساجد، ودعاة دين، وطلاب مدارس، ومهندسين، والآن اطباء. وانتقوا جنسيات من عرب وأفارقة وآسيويين وأوروبيين ولاتينيين. لم يتركوا للمسلمين مساحة حتى يتبرأوا منهم. نجحوا في تقديم الاسلام كدين شرير يستخدم حتى الاطباء في قتل الابرياء، مع انهم أمضوا سنين في الدراسة والتدريب من اجل انقاذ حياة الناس بغض النظر عن دينهم وعرقهم وجنسهم.

ولو ان احداً حاول تشويه صورة العرب ومعاني الاسلام ما استطاع ان ينجح كما فعل هؤلاء الذين لسنين متتالية تفننوا في تقديم النماذج الشريرة، ليؤكدوا انها ليست قضية فقر ولا حاجة شخصية، ولا تحترم في النزاع قواعد الاشتباك التي تفصل بين الاهداف البريئة والمتورطة.

في بداية ارهاب «القاعدة» كان معظم الملتحقين والمجندين شبابا لم يكملوا دراستهم، وتم تجنيدهم من خلال التجمعات المحلية البسيطة. وكان سهلا ان تقارن التنظيم بأي ميليشيات سيئة اخرى في أي مجتمع آخر. وعندما قاد محمد عطا عمليات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، كانت المفاجأة ان الرجل مهندس ليدلل التنظيم على انه عازم على قطع كل صلة للمسلمين بالعالم سمعة وأفراداً. وهنا نرى صورة مجسمة للشر، اطباء وأحدهم حاصل على منحة تعليمية صدم مجتمعه، وأبكى والديه اللذين بقيا عاجزين عن تصديق ان ابنهما تحول من العلاج الى القتل.

ان كل من يريد ان يضع مبرراته السياسية لمثل هذه الجرائم هو في واقع الامر شريك عاطفي معهم، فالضرر الذي ألحقوه بملايين العرب والمسلمين وأصحاب القضايا الصادقة، كبير.

[email protected]