بلير.. عصا بوش السحرية في الشرق الأوسط

TT

انتظرنا بيل كلينتون... فجاءنا توني بلير.

مجيء بلير الى ساحة الشرق الأوسط كوسيط سلام، بعد رحيله عن رئاسة الحكومة البريطانية، قد يكون هدية تقاعد من حليفه الكبير جورج بوش... وقد يكون قرارا أميركيا مدروسا لقطع الطريق على بيل كلينتون بعد أن كشفت هيلاري كلينتون عن عزمها على إعادة تكليفه بملف السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

الثابت أن الإدارة الجمهورية عملت بنصيحة وزيرة خارجيتها، كوندوليزا رايس، في «فرض» هذا التعيين «المفاجئ» لبلير مبعوثا للجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، وهو ما يوحي برغبة دفينة في تحقيق هدفين مزدوجين: أميركياً، استنساخ بديل لبيل كلينتون، وبريطانياً، خلق قناة أخرى للدبلوماسية البريطانية في الشرق الأوسط متمايزة عن سياسة وزير خارجيتها الجديد، ديفيد ميلبنك، إن لم تكن مغايرة لها.

حبذا لو استشارت واشنطن، بروتوكوليا، رئيس الحكومة البريطانية الجديد، غوردون براون، بهذا التعيين قبل أن تفاجئه به، فبصرف النظر عن الصفة الدولية التي سيكتسيها بلير في منصبه الجديد، يظل تعاونه مع حكومة بلاده أساسيا لتعزيز مصداقية دوره، خصوصا أن اختيار غوردون براون لديفيد ميلبنك وزيرا للخارجية ـ خلفا لممثلة خط بلير مارغريت بيكيت ـ مؤشر أولي على نيته تحقيق طلاق آخر مع بلير...على صعيد دبلوماسيته الشرق أوسطية هذه المرة.

ملامح هذا الطلاق يمكن تلمسها من تقديم براون للدبلوماسية الأوروبية على الأميركية في الشرق الأوسط ومن المواقف المعلنة لوزير خارجيته، ديفيد ميلبنك، الذي سبق أن أعرب في مجلس الوزراء البريطاني عن «قلقه» من إحجام توني بلير عن الدعوة الى وقف إطلاق نار فوري في حرب اسرائيل على لبنان الصيف الماضي، وانتقد قراره إرسال قوات بريطانية الى العراق (وفي هذا السياق تؤكد صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية انه في مجالسه الخاصة يكرر قناعته بأن حرب العراق كانت «غلطة كبرى»).

أما بلير فلن يخرج في مقاربته لسلام الشرق الأوسط عن خط صديقه وحليفه، جورج بوش. وبالفعل أكد قبل ايام معدودة انه يعطي «اولوية مطلقة» للحل القائم على دولتين، اسرائيلية وفلسطينية، وهو الحل الذي سعى بوش من طرحه الى استيعاب المعارضة العربية لخطة غزو العراق عام 2003.

ربما يأمل بوش من صديقه بلير أن يعيد الإدارة الجمهورية، في سنتها الأخيرة، الى عملية السلام التي توقفت مع انتهاء ولاية كلينتون عام 2000.

ولكن، قبل ذلك، قد يكون على بلير، الذي يتمتع بمهارة تفاوضية مشهودة، أن يوظف صداقته لبوش في تحقيق أمرين:

* إقناع الرئيس الأميركي بلعب دور اكبر، وأكثر حيادية، في تحقيق اقتراحه «للدولتين»، تمهيدا لتسوية عربية – إسرائيلية شاملة (علما بأن موفد اللجنة الرباعية السابق، جيمس ولفونسون، تخلى عن مهمته بعد سنة واحدة من تكليفه عام 2005، منتقدا رفض اسرائيل التعامل «بجدية» مع عملية السلام، وان المبعوث الأخير للجنة، ألفارو دوسوتو، وضع اللوم على واشنطن في فشل مهمته لتبنيها الدائم للمواقف الإسرائيلية، وعلى كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتقبلهما التلقائي لكل ما تقترحه واشنطن).

* إقناع الرئيس الأميركي أيضا بأن تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي تشكل مساهمة أساسية ـ إن لم يكن ضرورية ـ في حربه على «الإرهاب الدولي».

أما توني بلير، فربما يتوق من مهمة الوسيط، إلى تبييض صفحة تاريخه في العراق ـ التي لا تقربه الى قلوب العرب والمسلمين ـ بتحقيق إنجاز سلمي في فلسطين على غرار إنجازه في ايرلندا الشمالية.

وإذا كان تحوله، دينيا، من الكنيسة الإنجيلية الى الكنيسة الكاثوليكية، بعد تركه الحكم، مؤشرا على استعداده للتحول، سياسيا، من صقر حرب في العراق الى حمامة سلام في فلسطين، فقد يصبح خير وسيط للقضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية... إذا عرف كيف يقلب علاقته الشخصية والسياسية مع بوش من علاقة «مستمع» الى علاقة «ناصح»، خصوصا أن نجاح مهمة اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط مرهون إلى حد كبير بالدعم الاميركي لها.