أيهما أخطر؟

TT

تحديان كبيران يواجهان العالم في القرن الواحد والعشرين ويحظيان بدعاية هائلة، الاول هو تحدي مخاطر الارهاب الذي يبدو انه اصبح جزءا من الاشياء التي يتعين على الناس التعايش معها مع وجود حفنة من المهووسين الذين يتصورون انهم بالترويع والدمار يستطيعون فرض اجندتهم السياسية او اسلوب الحياة الذي يتصورون انهم يمكنهم اجبار الناس على العيش فيه. والثاني هو تحدي التغير المناخي في العالم او ارتفاع درجات الحرارة الذي بدأ يفرض نفسه على الاجندة العالمية، وخاصة اجندة الدول الصناعية اكبر متسبب في انبعاث الغازات المسببة لظاهرة التغير المناخي.

وبين التحديين هناك صراع، فالاول الارهابي يحظى عمليا بالاهتمام الاكبر، وترصد له ميزانيات كبيرة، لأنه آني ويسبب دمارا نراه على الفور بحجم بشاعة كبيرة. اما الثاني البيئي فهو لايزال في مجمله جهد جماعات ضغط، والصراع الآيديولوجي حوله محتدم بين مشككين في نظريات الدفء العالمي باعتبارها ظاهرة يتسبب فيها الانسان، او انها دورة طبيعية من دورات الطبيعة، لكن المدافعين عن الارض لا يشكون في ان المخاطر اكبر بكثير لو صدقت التنبؤات العملية بشأن ظاهرة التغير المناخي.

فالاقتصاد العالمي بني على دورة مناخية اعتاد عليها البشر عبر الوف السنين وتطورت المجتمعات البشرية على اساسها سواء زراعيا أو صناعيا أو عمرانيا، وقامت دول وحركة تجارة وامبراطوريات في ظلها، ومن شأن اختلالها او تغيرها بشكل جذري إحداث خلل في نظام معيشة المجتمعات والبشرية بشكل عام.

وكما يقال فانه اذا تواصلت ظاهرة ذوبان الجليد في القطبين وارتقع منسوب مياه المحيطات أو البحار ستغرق جزر بكاملها او مناطق كبيرة من اليابسة منخفضة عن مستوى سطح البحر بما سيحدث خلخلة شاملة في مجتمعات بأكملها ويحدث ظاهرة هجرة غير مسبوقة في التاريخ الانساني وباعداد مهولة، فضلا عن اختلال مواسم الامطار سواء بالشح في بعض المناطق مثلما يحدث في اجزاء من افريقيا الان، او فيضانات وسيول كبيرة في مناطق اخرى مثلما يحدث في آسيا.

لكن يمكن ايضا الجدال بان الإرهاب هو الآخر له مخاطره التي تشبه مخاطر التغير المناخي من حيث التأثير، وهو ايضا ادى الى تغيير في النمط الذي اعتادته المجتمعات في معيشتها واخطاره النفسية والتدميرية واسعة. والشواهد على ذلك في الحياة اليومية كثيرة بدءا من الطوابير الطويلة في المطارات خاصة في مواسم السفر بسبب الاجراءات الامنية الى الاعتمادات الهائلة التي تخصص من الميزانيات لمواجهة هذه التهديدات. وحالة عدم الاستقرار التي تحدثها الظاهرة الارهابية وآيديولوجية العنف تخلق دورة عنف تغذي نفسها بنفسها داخل المجتمعات التي تصاب بهذه الحمى، لتصبح مهمة كسر هذه الحلقة غاية في الصعوبة. ويغرق هذا المجتمع شبرا شبرا في مستنقع من الرمال المتحركة ويلقي ذلك بظلاله على العالم وعلاقات الدول والشعوب، لنصبح في مواجهة ظاهرة صدام حضارات بدلا من التعايش والتعاون والكراهية بدلا من التآلف والسلام الذي يصنع الازدهار.

يقينا ان الظاهرتين تتساويان في مستوى الخطر الذي تمثلانه للبشرية. فكوارث الطبيعة يمكن ان تقتل او تشرد ألوفا في لحظات، والارهاب طبعا ليست لديه قدرات الطبيعة لكن تأثيره النفسي يمكن ان يحدث مفعولا مماثلا، ولا يوجد مفر من التعامل مع الظاهرتين بنفس القدر من الاهمية والجدية فهما التحديان الرئيسيان في هذا القرن.