إيران.. مجوهرات العائلة للبيع!

TT

ما الذي تفعله حينما تواجه مشكلة سيولة نقدية؟ قد تحاول تقليص النفقات أو أن تعمل أكثر أو تستدين نقودا أو تبيع مجوهرات العائلة. والحل الأخير هو ما يحاول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد اتباعه مع تقلص السيولة النقدية من يده.

فالمؤشرات على نقص المال لدى الحكومة الإيرانية قد تضاعفت في الفترة الأخيرة وهناك عشرات الألوف من الموظفين بمن فيهم المدرسون لم يتسلموا رواتبهم منذ يناير الماضي. وبدأت الفواتير من المتعاقدين الخاصين مع الحكومة بالتراكم مما أصبح معه مصير الكثير من رجال الأعمال في مهب الريح.

كذلك أصبحت الصناعة النفطية التي تغطي 75 في المائة من دخل الحكومة تعاني من نقص في الأموال النقدية. ولم تؤت الجهود المبذولة لجذب 15 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى صناعات النفط والغاز أكلها. فالمستثمرون الأجانب متخوفون من خرق العقوبات الدولية ومن احتمال مخالفة خطط وزارة المالية الأميركية لفرض ضغوط مالية على الدولة الإسلامية.

وقد يبدو كل ذلك مفاجئا عند التفكير في أن إيران تكسب ما يقرب من 150 مليار دولار سنويا من تصدير النفط منذ فاز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2005. إذن أين يذهب كل هذا المال؟

يمكن العثور على جزء من الجواب في معدلات التضخم العالية. فحسب البنك المركزي لإيران بلغت نسبة التضخم الشهري، منذ يناير 2006 ما بين 2.8 و3.2 في المائة، وهذا ما يجعله أعلى معدل سنوي على مستوى العالم، إذ من المتوقع أن يصل إلى 30 في المائة سنويا في العام المقبل.

من الناحية النظرية، وفي اقتصاد يستند إلى النفط يكون التضخم عنصرا مفيدا للحكومة.

المشكلة هي أن أحمدي نجاد كان سببا وراء ازدياد الإنفاق العام. إذ ازداد الإنفاق على الخدمات العسكرية والأمنية بنسبة 21 في المائة، تمهيدا لحرب مع الولايات المتحدة.

ثمة مجال إنفاق آخر يتمثل في المنح التي يقدمها أحمدي نجاد شخصيا خلال جولاته في المحافظات، وهو ما يصفه البعض بأنه استعراض سيدمر الاقتصاد.

وتشير تقديرات الى أن أكثر من عشرة مليارات قد أنفقت على مشاريع حكومية، المستفيدون منها أشخاص مقربون من النظام، الأمر الذي أدى الى ازدياد التضخم. زاد أحمدي نجاد أيضا الإنفاق على برنامج ما يسمى بتصدير الثورة. وتسلمت سورية ما يزيد على 3 مليارات دولار نقدا ونفط بأسعار مخفضة. كما تسلم «حزب الله» اللبناني مبلغ 1.8 مليار دولار وحركة «حماس» مليار دولار. وأنفق مبلغ 3 مليارات دولار على تمويل جماعات معادية للولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان.

أنفقت الحكومة أيضا مبلغ 4 مليارات دولار لمواجهة الطوارئ في إطار سعي طهران للهيمنة على العراق في حال خروج الأميركيين منه. إلا أن أكبر زيادة في الإنفاق كانت في زيادة الواردات في إطار محاولة الحكومة الإيرانية تخزين «أغذية استراتيجية» تحسبا لاندلاع حرب مع الولايات المتحدة.

وتشتري إيران ما يزيد على نصف أغذيتها بالإضافة الى 42 في المائة من احتياجاتها من الديزل من الخارج، وتعكف الآن على استيراد أكبر كميات ممكنة تحسبا لأي عقوبات في المستقبل.

تعتمد الصناعات الإيرانية أيضا على المواد الخام وقطع الغيار والتكنولوجيا. الواردات الإيرانية من ألمانيا، على سبيل المثال، ارتفعت بنسبة 17 في المائة منذ عام 2005. وبسبب التوتر السياسي المتزايد فرض عدد من شركاء إيران أسعار أعلى وطالبوا بالتسديد نقدا لدى التسلم.

المخاوف من الانهيار المحتمل لاقتصاد إيران دفع 57 من الاقتصاديين البارزين الى توجيه خطاب مفتوح الى احمدي نجاد حذروا فيه من الكارثة المحتملة لسياساته على اقتصاد البلاد. واضطر الخطاب، الذي جرى تداوله بصورة واسعة في إيران، أحمدي نجاد الى دعوة الموقعين عليه للنقاش، ولبى الدعوة بالفعل 40 اقتصاديا، إلا انه لم يكن هناك نقاش.

وبدلا من ذلك عاملهم أحمدي نجاد بطريقة مختلطة تمتزج فيها المعتقدات الدينية الغامضة مع مفاهيم اقتصادية نصف مفهومة. وقد ذكر للمنتقدين أن إدارته لا تخشى أي انهيار اقتصادي لسببين:

الأول هو أن «الإمام الغائب» لن يتخلى عن «النظام الإسلامي الحقيقي الوحيد في العالم» في وقت يواجه فيه الحرب مع «الشيطان الأكبر» الأميركي.

والسبب الثاني هو أن الحكومة أطلقت حملة خصخصة ضخمة للحصول على المليارات.

ولم يعلق الاقتصاديون على الدور الذي يمكن أن يلعبه «الإمام الغائب» في الاقتصاد الايراني. ولكنهم انتقدوا برنامج أحمدي نجاد الذي وصفوه بأنه «وسيلة لمنح هدايا مجانية لعدة مئات من الأشخاص».

وتجدر الإشارة الى أن برنامج الخصخصة يناقش منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

وكان يعتقد حتى فترة أخيرة أن الحكومة ستخضع للخصخصة الشركات الخاسرة فقط. ويرجع ذلك لأن المادة الـ44 من دستور الجمهورية الإسلامية تفرض عراقيل ضخمة على بيع القطاع العام. ويعتبر الإلغاء الواقعي للمادة 44 نصرا سياسيا كبيرا لأحمدي نجاد، وهو أمر فشل في تحقيقه الرئيسان السابقان.

ويعرض أحمدي نجاد للبيع، بعدما لم يعد مقيدا بالدستور، شركات عامة يمكن اعتبارها من أهم الشركات، من بينها 17 شركة من بين 32 شركة تشكل شركة النفط الإيرانية الوطنية، وهي أكبر شركة في البلاد. وفي الوقت الذي تقنن فيه الحكومة بيع البنزين، فإن برنامج الخصخصة يعرض للبيع مصافي أساسية في أصفهان وتبريز.

كما يعرض للبيع 4 من أكثر شركات البتروكيماويات ربحية، وخمس شركات غاز رئيسية، وأكبر شركة تسييل غاز في بيبولابد، التي تعرضت لإضرابات أخيرا.

وفي الوقت نفسه بدأت الاستعدادات لخصخصة قطاع التعدين، الذي كان يعتبره الشاه وآية الله خميني قطاعا «استراتيجيا»، فمن المقرر طرح مؤسسة خوزستان للحديد والصلب بأكملها للبيع، بينما سيباع جزء، غير معروف، من مجمع المباركة للصلب في أصفهان.

ويتطلع البرنامج لخصخصة قطاعي المصارف والتأمين، وكان قد تم تأميمهما في عام 1979. وسيتحقق ذلك عبر بيع أسهم القطاع في مجموعات من خمسة في المائة.

والمشكلة المتعلقة بكل ذلك هي الافتقار التام للشفافية. فلا احد يعرف كيف تم تقييم تلك الشركات أو من الذي سيسمح له بالشراء. وتنتشر شكوك حول أن الوحدات ذات الأرباح العالية ستباع الى عناصر في الحرس الثوري وشركائهما في البازار في اطار ما يسمى بالتحالف الإسلامي. وستقدم المصارف الحكومية الأموال اللازمة لشراء تلك الأنشطة.

وربما يجعل برنامج أحمدي نجاد بضعة آلاف من العسكريين والملالي وكبار تجار البازار أكثر ثراء مما هم عليه اليوم. ولكن ليس من المرجح مساعدة مشاكل توفر النقد لفترة من الزمن. وربما تغضب أيضا ما يطلق عليهم تسمية «المستضعفين» الذين حاول إغراءهم.