الأنفال وإعدام الوزير صالح

TT

لم يعرف العرب الا القليل عن واحدة من ابشع الجرائم في التاريخ الحديث، عمليات الانفال التي قتل فيها اكثر من مائة وثمانين الف من المدنيين الاكراد على يد القوات العراقية بين عامي 87 و 88. عتم عليها اعلاميا حينها بشكل متعمد لأن الجرائم نفذت في اواخر الحرب العراقية الايرانية التي ادعى الرئيس الراحل صدام انه انتصر فيها. وكانت اخبار الحرب قد قسمت المنطقة الى فريق مع ايران وآخر مع العراق. ولأن غالبية الحكومات العربية، ربما باستثناء سورية، ساندت الجانب العراقي بسبب صراحة التهديدات الايرانية ضد دول الخليج ومصر، وإعلان تصدير الثورة الى بلدانهم، والقبض على جماعات مولتها ايران في دول عربية متعددة.

جاء الخوف من ايران ليحمي صدام من اذاعة جرائمه البشعة التي ارتكبت باسم الحرب، مع انه الذي خاض حروبا لم تتوقف منذ ان استولى على السلطة في اواخر السبعينات وحتى قبض عليه مختبئا في الحفرة الشهيرة. لكن جرائم الانفال التي ارتكبتها قواته كانت صنفا مختلفا لانها استهدفت بشراسة المدنيين. نفذت وفق خطة مكتوبة للقضاء على مناطق كردية بأكملها على ثلاث مراحل، استهدفت بشكل محدد القرويين بعائلاتهم ومواشيهم ومزارعهم، ثم سويت مئات القرى بالأرض عقابا للاكراد الذين قاتله بعض انفصالييهم. والذي صدم العالم حينها، ولم يذع عربيا، صور أهالي قرية حلبجة الذين وجدوا ميتين بعد قتلهم بالغازات الكيماوية كالحشرات.

كانت مناظر لأهالي حاولوا الفرار وهم يحتضنون اطفالهم وجدوا ميتين على ابواب بيوتهم، وفي الطرقات. كانت تلك واحدة من مئات القرى التي استهدفت بالقتل والهدم عمدا في جريمة لا يليق باي انسان يملك في نفسه ذرة رحمة ان يسكت عليها. لكن بكل أسف مضت تلك الجرائم بقليل من الحديث عنها في الاعلام العربي ولهذا السبب تحديدا لم تحرك رأيا عاما واستمر الطاغية صدام في جرائمه داخل العراق بدون ان يتحداه احد حتى ارتكب جريمة اخرى باحتلاله الكويت وشاهد العالم غدره وجرائمه مرة أخرى.

هذه مراجعة تاريخية مبتسرة لا تعبر عن فداحة الجريمة، ومحاكمة مجرمي الانفال التي انتهت في بغداد كانت رسالة مهمة للمنطقة ان جرائم القتل الجماعية للمدنيين يجب الا تذهب بلا عقاب، مهما تجبر النظام. وقد حوكم بشكل علني كل من له علاقة بمن فيهم وزير الدفاع السابق سلطان هاشم صالح. الا ان شهادات كثيرين محايدين، قالوا بتبرئة الرجل من التورط الا في كونه عسكريا نفذ اوامر لم يكن له فيها قدرة على الامتناع. وذلك بخلاف بقية المتهمين في القضية الذين كانوا يفاخرون بجرائمهم مثل علي حسن المجيد، قائد المنطقة الشمالية، الذي كان يزهو بلقب علي الكيماوي لما ارتكبه وجيشه من افعال. ان الدعوة الى تخفيف العقوبة من الاعدام التي اقرتها المحكمة فيها تطلع الى استكمال للحق ايضا كون الرجل عرف بأنه اقل رجال الطاغية شرا، ويستحق الرأفة التي أطلقها آخرون بحقه.

[email protected]