باكستاني وثالث ورابع

TT

بعد أن هدأ الغبار، وخمدت أصوات الرصاص ودفنت الجثث من مشهد حصار المسجد الأحمر في باكستان، قد يكون من المفيد التمعن بعمق في أحوال هذا البلد الاسلامي الكبير، وكيف تحول الى بؤرة للفساد والتطرف.

باكستان كانت مجرد مشروع دولة بسيطة للمسلمين في شبه القارة الهندية، ولكنها كانت فكرة بنيت على أساس علماني واقتصادي في المقام الأول، ولكن هذه الفكرة سرعان ما تبخرت وانهارت أمام انقلابات عسكرية وأنظمة فاسدة، ولعل الفترة الأخطر في تاريخ باكستان المعاصر كانت تلك الواقعة بين حكم ذو الفقار علي بوتو وضياء الحق، فدولة المؤسسات التي كان يحاول بوتو بناءها دمرت على أيدي ضياء الحق

(أو كما يسميه معارضوه الذين أتوا لاحقا: ضياع الحق) فهو الذي سمح بتوغل وانتشار الفكر المتطرف، وتقوية المؤسسة العسكرية على حساب مؤسسات المجتمع المدني، مما ولد مناخا يتيح للفساد أن ينمو ويترعرع، وتحولت باكستان بعد ذلك الى مرتع للمحاسيب والأنصار، وباتت مضرب امثال للفساد، وتذيلت قوائم تقييم الدول المعنية بذلك، وكل الحكومات التي تعاقبت بعد فترة ضياء الحق سقطت في وحل ذلك وبامتياز.

واليوم ما يحدث في باكستان قد يكون مليئا بالعبر والدروس لما يمكن أن يصيب أكثر من دولة عربية، خصوصا بالنظر لما يحدث من تطرف مقيت داخل الجماعات الاسلامية، التي تطرف عدد غير قليل منها، والجهاز القضائي، الذي انهار أمام شلالات الفساد وطغيان حكم العسكر الذي كرس الاستبداد، ولا يمكن اغفال المقارنة المطلوبة بين الهند وباكستان، وهما الدولتان اللتان ولدتا بعد زوال الاستعمار البريطاني عنهما في نفس اللحظة، ولكن الهند أوجدت منظومة سياسية مبهرة وهي الآن تحصد نتاج الاستقرار الذي كرسته بنمو اقتصادي يقارب الاعجاز بنتائجه وملامحه.

باكستان كان عليها اتباع نهج تنموي تهتم فيه بقضايا الداخل، بدلا من الالتفات لقضية كشمير مثلا، وهي التي صرفت عليها الملايين من الدولارات وكلفتها أرواحا بالعشرات، وهذه القضية ليست ذات اهمية لأن المسلمين في الهند نفسها وضعهم جيد ومؤمن، فرئيس الهند مسلم وأغنى رجل أعمال فيها مسلم وغيرها من الأمثلة التي لو سمح لكشمير بالاستقرار وعدم العبث بأمنها بالتدخل الخارجي فيها لكانت عنصرا فاعلا في الوطن الأم.

الانهيار الهائل الذي أصاب باكستان وحول أقاليمها الى دويلات متنازعة، وفي حالات منها تكون خارج سيطرة الدولة والسلطة، هو سيناريو يجب الانتباه اليه جيدا والتمعن في آثاره، فالداء الباكستاني لو استفحل سيؤدي الى انهيار الحكومة الباكستانية والجيش الذي بدأت تخترقه الاصولية المتطرفة، وستتحول باكستان الى غابة موحشة لن تبقي لا أخضر ولا يابسا.