أي صيف حار ينتظر لبنان؟

TT

هل تريد ايران من جديد اشعال حرب جديدة في لبنان؟ اذ قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد خلال زيارته لدمشق الاسبوع الماضي: «نحن نتطلع لأن يكون الصيف حاراً بفعل الانتصارات التي تحققها شعوب المنطقة وتقابلها اخفاقات متتالية لأعدائها».

مباشرة بعد هذا التصريح النجادي قال نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال انعقاد المؤتمر السنوي للتجمع الاسلامي للمهندسين: «ان اسرائيل وأميركا اضعف مما كانتا عليه، وان حزب الله والمعارضة اقوى مما كان عليه الوضع قبل 12 تموز/ يوليو 2006». ثم بثت فضائية «الجزيرة» القطرية مقابلة مطولة لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، بعد عودته من دمشق ولقائه احمدي نجاد قال فيها اموراً ملفتة، كان ابرزها «تجاوبه» مع خطط احمدي نجاد: «في تموز/ يوليو 2007 (اي الآن)، نملك القدرة لأن نطال اي هدف وأي نقطة في فلسطين المحتلة». وكشف نصر الله ان حزبه يملك صواريخ ارض ـ ارض، وارض ـ بحر، ويبدو ان ايران مترددة في تزويد الحزب بصواريخ ارض ـ جو.

اصر نصر الله على تكرار «النصر الالهي»، مؤكداً انه لم تكن لدى «حزب الله» اي رغبة في توسيع الحرب «لحسابات اقتصادية وأمنية وسياسية»، وقال انه كان يعرف ان خسائر ستلحق بلبنان ولحقت به لكنه فضل «بقاء الحرب في الدائرة اللبنانية لأن ذلك كان يعني ابقاءها تحت السيطرة». واذكر انه في لقاء مع احد كبار الشخصيات الايرانية العام الماضي، قال بوضوح: «ان حزب الله في لبنان هو خط الدفاع الاستراتيجي الاول عن ايران»، لكن السيد نصر الله اكد في حديثه الى «الجزيرة»، ان الحزب هو ايضاً خط الدفاع الاستراتيجي الاول عن سوريا على حساب لبنان ومستقبل اللبنانيين، وانه هو على «رأس منظومة القيادة العسكرية للحزب التي خاضت الحرب وعطلت قدرات اسرائيل البحرية والمروحية، وانه من كان «يأمر بإطلاق الصواريخ». هو على رأس منظومة القيادة العسكرية للحزب ويقرر لحظة اطلاق الصواريخ، ومتى يكشف عن مصير الاسيرين الاسرائيليين ومتى يفرض على اتباعه التزام وقف لإطلاق النار، ثم «لا افكر بأن اكون قائداً عربياً او لبنانياً افكر ان اقوم بواجبي لمصلحة المعركة والقضية المقدسة التي نضحي من اجلها». بهذا ابلغنا السيد نصر الله ما نعرفه عن التزام «حزب الله» بثقافة الجهاد والموت والحرب حتى النصر، و«حتى النصر» هنا تصل الى النصر على «الشيطان الاكبر»، بمعنى انه يريد الحرب التي لن تنتهي حتى يوم القيامة (...).

امر آخر مثير كشفه السيد نصر الله، هو ان «اسرائيل فوجئت بالعملية» التي قام بها الحزب وأدت الى دمار كبير في لبنان.

منذ سنة و«حزب الله» يعاقب اللبنانيين ويعاقب الحكومة اللبنانية، ويعتصم ويشل الحياة الاقتصادية في بيروت، على اساس ان اسرائيل هي التي اعتدت وهي التي شنت الحرب التي كانت تستعد لها، لكن السيد نصر الله قال: «انه منذ عام 2000 (اي بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان) بدأنا الاستعداد لمواجهة حرب آتية (...) كانت لدينا خطة للمواجهة، وضعنا سيناريوهات الحرب، مادياً كنا على درجة عالية من الجهوزية (...) لم يسقط اي شهيد في المربع الامني»!

ما الذي جرى في لقاء احمدي نجاد ـ نصر الله في دمشق؟

اذ، مباشرة بعد انتهاء الحرب العام الماضي، قال السيد حسن نصر الله، انه ما كان يتوقع مثل ذلك الرد الاسرائيلي، واليوم بعد لقائه احمدي نجاد يقول ان اسرائيل فوجئت، وان لديه صواريخ تطال كل زاوية فيها.

وقد يكون يفضل اطلاق الصواريخ، لأن «حرب» الاعتصام في وسط بيروت لم تجدِ. لكن، اذا كانت ايران تتطلع الى حرب جديدة على اسرائيل، فالحرب ستفضي هذه المرة الى تدمير بيروت، لأن اسرائيل لا تتحمل هزيمة ثانية، وأمامها فرصة واحدة فقط ونرجو ان لا يوفرها لها «حزب الله».

وتقول مصادر مطلعة في لبنان، ان اعادة بناء الضاحية الجنوبية لبيروت، لم تجر حتى الآن، لأن الحزب يفكر بتوسيع المربع الامني وجعله خالياً من ابنية السكن وان المربع الامني الجديد قد يمتد الى منطقة «السقي» القريبة من «الحدث»، وليس لأن الحكومة لم تدفع المساعدات بعد.

ونعود الى «الزيارة الرمزية» التي قام بها احمدي نجاد الى دمشق، بعد يوم واحد من تكرار الرئيس السوري بشار الاسد، استعداده لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل، وهذه المرة طالب بـ«وديعة» كما على زمن اسحق رابين، وجاءت فكرة الـ«وديعة» بمثابة رد على ما اعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لفضائية «العربية»، بأن رسائل سرية يجري تبادلها بين دمشق وتل ابيب، لتكشف الصحف الاسرائيلية لاحقاً بأن الوسيط هو تركيا. هذه تركيا نفسها وقعّت معها إيران، قبل اسبوع من زيارة احمدي نجاد الى دمشق، اتفاقاً لنقل الغاز الايراني الى اوروبا.

تركيا على علاقات جيدة بإسرائيل، الطائرات العسكرية الاسرائيلية تقوم بتدريباتها فوق منطقة «كونيا» التركية، وهذا ليس اعتراضاً على حق تركيا في اقامة علاقات مع من شاءت من الدول، سوريا توّسط تركيا للتقرب من اسرائيل، ايران تعقد اتفاقيات تجارية ونفطية وغاز مع تركيا، ثم ان الرئيس الايراني وفي دمشق يشدد على دعم «المسعى» السوري لاستعادة الجولان المحتل، ثم يصدر والرئيس السوري بياناً مشتركاً يؤكدان فيه على ضرورة «تعزيز الوحدة الوطنية والوفاق الوطني في لبنان، ودعمهما لما يُجمع عليه اللبنانيون كافة بما يضمن امن لبنان واستقراره وسلامة اراضيه وحق الشعب اللبناني في «مقاومة» الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة ضد السيادة اللبنانية واستعادة ما بقي من اراضيه المحتلة»!

في سوريا تدعم ايران «المسعى» وفي لبنان تريد «مقاومة».

من حق «حزب الله» ان يكون وفياً لإيران، لأسباب كثيرة جداً ترتبط بنشأته وبداياته وتسليحه وتمويله، وقد يكون آخرها محاولات ايران مع فرنسا نيكولا ساركوزي. اذ في اللقاء الاول الذي جمع علي لاريجاني مستشار الامن القومي الايراني وكبير المفاوضين في البرنامج النووي الايراني ووزير خارجية فرنسا برنار كوشنير طلب بأن يكون من ضمن حل المشكلة اللبنانية، التي تساهم ايران بالطبع في تعقيداتها، ان تجري الانتخابات الرئاسية فيه مستقبلاً على قاعدة One man one vote

اي صوت لكل ناخب. بمعنى ان يحقق «حزب الله» هدفه لاحقاً اي حكم كل لبنان. فرنسا لم تجب بعد. وكي تثبت طهران «حسن نيتها» ولأنه لا توجد مبادرة «مشتركة» ايرانية ـ فرنسية لإحلال السلام في لبنان، حاولت ايران ان تظهر بمظهر «الراعي المشارك» في تأمين اجتماعات «لا سيل سان كلو» بعد «الخضة» التي سبقتها بسبب تصريح ساركوزي بان «حزب الله» حزب ارهابي، ثم تبعته مشاورات واتصالات، قال مصدر ديبلوماسي فرنسي، انه تخللها ابلاغ فرنسا ان الجنديين الاسيرين عند «حزب الله»، احياء، ثم جاء «التراجع» الفرنسي، ومشاركة «حزب الله» في المفاوضات، ثم نفي الوزير السابق محمد فنيش انه ابلغ كوشنير مصير الجنديين، ثم قول السيد نصر الله: «ان وزير الخارجية الفرنسي كان ذكيا بقوله: فهمت ان الجنديين احياء». ويقول المصدر الديبلوماسي الفرنسي: «ان الايرانيين لم يكونوا سلبيين في التحضير لمحادثات «سان كلو»، وان السوريين بدورهم لم يكونوا عقبة لوعدهم باحتمال ان يزور كوشنير دمشق».

جاءت زيارة احمدي نجاد لتهنئة التجديد للرئيس السوري، بعد دعوة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الى اجتماع دولي لمحاولة استئناف عملية السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية، كما جاءت بعد الانقلاب الذي قامت به حماس و«احتلت» غزة فمزقت بذلك «اتفاق مكة».

التوجه الاميركي الجديد لن يشمل فقط المشاكل العربية ـ الاسرائيلية بل سيتضمن العلاقات مع الدول المجاورة للعراق وبالذات ايران وسوريا عبر مفاوضات مع وزيري خارجية البلدين. (من هنا جاء تصريح هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي عن قرب انعقاد اللقاء الثاني الاميركي ـ الايراني).

وقد يكون بلغ سمع القيادة الايرانية المعادلة الجديدة التي ستسير على اساسها السياسة الخارجية الاميركية بدل السياسة التي كانت تسيّرها ايديولوجية متشددة في السابق، وحسب مصدر اميركي، «لم تكن ادارة الرئيس بوش راغبة في الحديث مع السوريين كي لا تضفي عليهم اي شرعية دولية، اما اليوم فتقوم توجهاتها بما يخدم المصالح الاميركية».

وطرح بعض المسؤولين الاميركيين مسألة منح «حصانة» لكل رؤساء الدول الذين سيشاركون في اللقاء الدولي المقبل حول العراق، هذا الطرح هو بمثابة اشارة للرئيس السوري الذي بدأ يشعر بأن المحكمة الدولية التي ستعقد لكشف قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، «يمكن ان تورط كل القيادة السورية».

ان زيارة احمدي نجاد الى دمشق وتشديده على العلاقات الاستراتيجية الثابتة بين البلدين، ستربك سوريا لاحقاً، الراغبة في لقاء الاميركيين في منتصف الطريق، علّهم يرعون استئناف مفاوضاتها مع اسرائيل. وكما ان هناك سباقاً غير معلن بين دمشق وطهران على من يكون صاحب الدور الرئيس في لبنان، وفي فلسطين خصوصاً ان ايران تكاد ان تنجح في سحب ورقة حماس من سوريا، هناك ايضاً سباق بينهما بالنسبة الى اميركا. والأخيرة «تراوغ» الاثنين ومحور تفكيرها العراق.

مثلاً بالنسبة للاجتماع المتعلق بالمسألة الفلسطينية ـ الاسرائيلية، عبّرت واشنطن عما لا تريده (عدم حضور حماس) لكنها ابقت الغموض قائماً في ما يتعلق بدعوة السوريين الى الاجتماع. ولأن كل شيء يبهت مقارنة بالوضع في العراق، فان مسؤولين اميركيين كبارا يؤكدون ان عدد القوات الاميركية فيه في شهر كانون الثاني (يناير) 2009 لن يكون اقل عما هو عليه الآن، وان الوضع الذي سيواجه الرئيس الاميركي المقبل لن يكون سهلاً، لكن المهم في الامر، ان هذا لا يرضي الايرانيين، ولا يطمئنهم بالنسبة الى مستقبل برنامجهم النووي او نفوذهم في العراق.

من هنا، جاء تهديد الرئيس الايراني بـ«صيف حار» كمحاولة لاستباق الامور او لفرض واقع جديد في المنطقة ـ حرب اخرى في لبنان ـ تعرقل التوجهات الاميركية الجديدة.

ان هذا الهروب الى الامام لن ينفع الرئيس الايراني، اذ سأروي الاسبوع المقبل عن عائد من ايران، حقيقة الاوضاع المعيشية هناك على مستوى القيادة وعلى مستوى الشعب.