المحترمون

TT

لدى الدروز في لبنان دعوة يقولونها للمتقدمين في السن «تحيا ما دامت الحياة تليق لك». وقد انضمت الى الجمعيات الدولية غير الرسمية مؤسسة جديدة تحمل اسم «كبارنا»، اعطت مهمة معقدة لأولئك السياسيين الذين كانوا في التقاعد: حل ما يستطيعون من قضايا العالم. اسماء مثل نلسون مانديلا وجيمي كارتر ورئيسة ايرلندا السابقة مادلين روبنسون وشخصيات أخرى يبلغ مجموع سنوات خبرتها في سياسات العالم نحو ألف عام. ماذا يجمع بين الأكثرية من أصحاب هذه الأسماء؟ ليس عتي الكبر وحده. تجمع فيما بينهم صفة نادرة في البشر، سياسيين أو غير سياسيين، هي الانصاف. ولا يكون انصاف في الرجال من دون شجاعة. الجبان لا يستطيع ان يكون عادلا، والخائف لا يمكن أن يقضي الى جانب الحق.

انه خيار الذين يصلون الى أعلى مراتب الحكم أو القيادة: بأي صورة يريدون ان يخرجوا؟ هناك نوعان من الحكام، واحد يقضي الأعوام في تكديس الخوف والامتعاض والتذمر بين الناس، وواحد يضع أمامه غاية واحدة: الاحترام. واحد يستكتب المستكتبين المناشير والمطبوعات التي لا يقرؤها أحد، وآخر يترك سيرته للتاريخ، هو يكتبها ويقدرها ويصدر حكمه فيها. ينقسم الناس من حول الذين يصلون الى مراكز السلطة الى قسمين. واحد يتمنى لو أن بعض الرجال لا يشيخون ولا يكبرون ولا يتقاعدون، وآخر لو ان التقاعد يقع غدا، أو بالأحرى اليوم. والقاعدة واحدة في كل الأرض. الناس تحب وتقدر المحترمين. والاحترام ليس مجانيا ولا سهلا. فالناس قد تحب أيا كان لكنها لا تحترم سوى أهل الارتقاء. أولئك الذين يتفانون في سبيل شعوبهم، ويتقبلون بحكمة الآخرين. ويبسطون من حولهم التسامح وليس العداء. وعندما أصبح مانديلا رئيسا عامل البيض على أنهم شعبه اليوم وليس اعداءه بالأمس، والا لتساوى بهم، وكان ثأريا مثلهم وانتقاميا صغيرا لا يتعدى حجمه الحقيقي ارنبة أنفه.

خالف جيمي كارتر يوم كان رئيسا جميع وصايا البيت الأبيض وتحدث عن دولة فلسطينية، وعندما خرج من البيت الأبيض ذهب يحاور جميع الذين يمنع القانون الاميركي على أي مواطن عادي مصافحته. وقد أثار كتابه الأخير حول فلسطين جميع مراكز الضغط والقوى الاسرائيلية في أميركا، لكنه لم يلتفت خلفه. الانصاف يتطلب الشجاعة. والعدالة تتطلب الارتقاء بالنفس الى مستوى الميزان، فليس هناك عدالة من كفة واحدة. ولا تكون عدالة في الغضب. العمى وحده في الغضب. والانتقام مغارة الصغار. ولا يستطيع رجل في مركز قيادي ان يحب نفسه ويحب الآخرين في وقت واحد. القيادة هي ان يحب الآخرين ويحترم نفسه. لذلك شاخ هؤلاء السادة، والناس لا تزال تبحث عن حكمتهم وقد شارفوا التسعين. كم محزن ان يكبر المحترمون.