عندما تدلكت بالطين

TT

أحد المسؤولين الكبار الذي يلجأ إليه الناس في الاستشارات وحل المشاكل قال لي في لحظة تجلٍّ: تصور أنني أحياناً تنتابني في الليل وأنا بين النوم واليقظة عدة أفكار والرغبة في حل مشاكل، وأقرر أنني يجب أن أسأل (فلانا)، وعندما أصحو اكتشف أنني (فلان) الذي قررت أن أسأله.

السؤال هو: هل الإنسان يجب أن يتخذ قراراته بنفسه، أم يتبع قرارات الآخرين؟!

أكيد الغالبية العظمى منكم تقول إنه يجب أن يتخذ قراراته بنفسه، وهذا صحيح، لكن ذلك يتطلب تبعات عملية وليست كلامية أو أحلامية، فمن البديهي والمعروف أن كل إنسان سوي وطبيعي وعاقل يريد النجاح، غير أن النجاح في أي شيء أو عمل لا بد له من اختبار.

ولا أنسى ما قرأته من مقابلة صحافية مع لاعب الغولف (تايغر وود)، عندما قال: إنني أتدرب على الرمية (الواحدة) قبل كل مباراة (ساعة كاملة).

وعندما وجه أحد الصحافيين السذج سؤالاً للطيار المشهور (ليندبرغ)، وكان هو أول طيار يقطع المحيط الأطلسي منفرداً وبدون توقف من أميركا إلى أوروبا: ألم تراودك الشكوك في أية لحظة في أنك ستصل إلى أوروبا؟! فابتسم وأجاب: هل تعتقد أنني كنت أبدأ الرحلة لو كان قد خطر ببالي أنني قد أقطع بعض الطريق فقط؟!

فاتخاذ القرار (مهم)، والمثابرة عليه (أهم)، وتطويره (أهم وأهم).

مثل ذلك الرجل الأمريكي الذي عرف ولع الناس بالخبز الفرنسي ـ ومشكلة ذلك الخبز أنه لا بد أن يؤكل في نفس اليوم ـ وسأل شركات الطيران إن كان بالإمكان نقله، فقيل إن الأرغفة التي تصل إلى مطار اورلي في الساعة السادسة، من الممكن نقلها ووصولها الثامنة صباحاً بتوقيت نيويورك.. وأقدم على هذه المغامرة، واليوم أصبح هو المحتكر لذلك النوع من الخبز ويوزعه في أكثر من (40 ولاية أمريكية)، وبعدما كان مجرد خباز صغير، أصبح مليونيراً ممتلئاً بطنه (بالباغيت).

وبما أننا على ذكر الخبز الذي (أعزّه كثيراً)، فهناك رجل من أهل القصيم بالسعودية، ذهب إلى ألمانيا قبل أربعة عقود للعلاج، وتعجب عندما شاهد مخبزاً آلياً، فقرر شراء مثله، خصوصاً أن أهل منطقته لا يعجنون ولا يخبزون إلاّ بأيديهم، وحيث أنه متواضع الحال فقد استنجد ببعض معارفه واستدان منهم، وبدأ مخبزه يعمل، ومعه بدأت رحلته الهائلة نحو النجاح، وبسببه طوّر أعماله ومشاريعه، وعندما توفيَّ قبل عام كان هو أغنى رجل في منطقته.

وبما أنني من هواة ضرب الأمثال العملية والواقعية لأنها تستهويني فعلاً، لا بد من ذكر رجل أمريكي كذلك يُقال له (ميلتون هوف)، وكان مجرد (جاويش)، يذهب مع الجنود المصابين بعد الحرب العالمية الثانية، إلى أوروبا لتأهيلهم في المياه المعدنية ـ أي أنه كان مجرد مدلك (هلفوت) ـ.

فخطرت على باله الفكرة، واستقال، ثم استدان، وافتتح أول ما افتتح مركزاً في (بالم بيتش) في ولاية فلوريدا، ثم اتسعت مراكزه وانتشرت، واليوم هو مالك مصحات المياه المعدنية في أمريكا كلها.

وسبق لي أن غطست حتى (أذنيَّ) في إحدى مصحاته، ودلكتني إحدى العجائز بالطين.

[email protected]