أميرة تجدل من ضفائر أمومتها فنارا

TT

لم أكن أعرف أن خلف كلمة «اتيكيت» قصة طريفة، وهي أن قصر فرساي بباريس اعتاد في حفلاته الكبيرة التي يحضرها الملوك والأمراء والنبلاء أن يخصص للمدعوين أوراقا صغيرة كتب على ظهرها بعض قواعد السلوك والآداب التي يجب أن تتبع أثناء الحفل، وكانت تلك الورقة تسمى تذكرة «تكت»، ولا يسمح لأي شخص بالدخول إلى الحفل بدونها، فارتبطت هذه الكلمة بالقواعد والآداب، وتدرجت لغويا حتى غدت «اتيكيت».

ولم أكن أعرف أن من آداب المائدة أن أترك الفوطة أو المنديل عند الانتهاء من الطعام دون تطبيق أو ثني على يسار الطبق، وكنت أظن أن من اللباقة تطبيقه، ولم أكن أدري أن لأكل المكرونة الإسباجتي تكنيكا خاصا، وأنا الذي حرمت نفسي طويلا من أكلها في المطاعم خشية أن لا أجر خيوطها خلفي من المطعم إلى البيت، ولم أكن أظن أيضا أن للشوربة والشيش كباب والبيتزا، وكل أكلة من الأكلات طرقها الخاصة!

ما كنت أعرف أن للمشي فنونا وللوقوف قواعد وللجلوس طرقا، وأن علي أن أدخل إلى المصعد من الجهة اليمنى، وأن أقف داخله باتجاه الباب، وكنت أجهل أن المصافحة أنواع، وأن لتقديم الهدية آداب وأساليب وطرق أكثر تعقيدا من الهدية..

كنت أجهل كل هذا وغيره من قواعد الاتيكيت حتى تفضلت علي خبيرة الاتيكيت السعودية أميرة الصايغ بأن أطالع مسودة كتابها «أطفالنا والاتيكيت» قبل أن تتقدم به للطباعة، وما أن فرغت من قراءته حتى اقترحت على المؤلفة تغيير عنوانه، فهذا الكتاب أولى أن يشترك فيه الكبار والصغار معا، ومن عدم الإنصاف أن لا يقرأه الكبار أولا ليتفادوا انتقادات الصغار لهم إذا ما سبقوهم إلى قراءة ذلك الكتاب، وعلى من يتوهم العصرية من الناضجين أن يطالع ذلك الكتاب ليكتشف أنه لم يزل يتعثر في أبجدياتها.

الكتاب اليوم في الأسواق يحمل عنوان «أطفالنا والاتيكيت»، فإن لم تكن طفلا ووجدته في طريقك فاحرص على اقتنائه، فالمؤلفة لم تكن تدرك أن جلنا أمام قواعد الاتيكيت لم نزل أطفالا.. ومن أبسط حقوق أميرة الصايغ علينا وهي تجدل في هذا الكتاب من ضفائر أمومتها بساطا سحريا يحتضن خطى أطفالنا إلى عالم السلوكيات الراقية أن ننزل كتابها منزله من الاحتفاء والتقدير، فهو أول كتاب يطرق هذا الفن في المكتبة السعودية.

ولكي لا يشعر البعض أن أميرة الصايغ قد استوردت لنا في هذا الكتاب من الغرب آدابه وقواعد سلوكه لكي تحل بديلا لآدابنا ومنظومة سلوكياتنا لا بد من الإشارة إلى وعي المؤلفة لذلك، فهي تؤكد أن الإسلام كان الرائد في إرساء قواعد السلوك الحسن، وتقول: «لا ينبغي أن نتعامل مع هذا العلم كغرباء عليه، بل يجب أن نستشعر أننا من أبرز صناعه ومبدعيه، ومن واجبنا أن نكون في قمة ريادته المعاصرة».

[email protected]