مساعدة فقراء لندن

TT

في فنزويلا، حيث يقيم الدنيا ولا يقعدها الرئيس هوغو شافيز، اعلن عن تبرع بأكثر من ثلاثين مليون دولار لإعانة فقراء لندن. الرئيس شافيز قرر ان يدفع نصف ثمن تذاكرهم لعام كامل. جزاه الله كل خير فقد اسعد كل اهالي العاصمة البريطانية، وإن كان قد حيرهم بهذا الكرم، من بلاد بعيدة، الذي وضع له برنامج تبادل المنافع، حيث ان عمدة لندن سيقدم له النصيحة حول مشاكل الازدحام في عاصمته، فأي نصيحة سيكسبها من وراء لندن المصابة بداء الزحام العضال؟

عاصمة شافيز كراكاس لا تعاني من الازدحام، مثل لندن بل اسوأ من ذلك حيث يغلب عليها الفقر، وتحيط بالمدينة بيوت الصفيح مثل الخاتم على الإصبع. لذا لا عجب ان يستنكر الفنزويليون على رئيسهم الذي يعطف على كل فقراء بريطانيا فيشتري لهم تذاكر قطارات. بلدية لندن قدرت ان شافيز سيسعد ربع مليون فقير على الأقل. وكرم شافيز من ثروة بلاده النفطية ليس خاصا بلندن، بل عم العديد من البلدان الاوروبية واللاتينية ودولة واحدة في منطقتنا على الأقل هي ايران. فقد وعد الرئيس احمدي نجاد بالبنزين والديزل لمساندته، بعد أن واجه مظاهرات حاشدة في عدد من المدن الايرانية، يوم قنن حصص الوقود للسيارات نتيجة شح البنزين في ايران. طبعا نجاد، هو الآخر، ينفق بكرم شديد اموال نفط بلاده، وسط غضب الايرانيين، على حزب الله في لبنان وعلى اغنياء سورية، والتنظيمات العراقية التي قتلت آلاف العراقيين بالسيارات المفخخة حتى الآن.

شافيز رمزه الأعلى فيدل كاسترو، زعيم كوبا، الذي بقي شوكة في حلق جارته الولايات المتحدة منذ نصف قرن، ولكاسترو العذر اكثر من شافيز يوم كان يحكم العالم معسكران. اما كيف يعاند شافيز الاميركيين بدفع ثلاثين مليون دولار لفقراء لندن، فهو يظن انه بماله يستطيع ان يبني شعبية لنفسه بينهم! يا له من ثمن غال من جيب دولة فقيرة، كفنزويلا، على بلد غني مثل بريطانيا، فقط لإغاظة حكم آخر، او تمجيد شخصية الرئيس. مئات الملايين من دولارات النفط الفنزويلي بددها شافيز، وعندما سئل لماذا لا ينفقها على بلده، الذي يفتقر الى كل شيء تقريبا، قال انه يخشى على فنزويلا من التضخم المالي. ياله من عذر غريب لتمويل كوبا وإيران ولندن وغيرها من مال بلاده.

وحتى لا تكون الصورة ناقصة في فهم شافيز لا بد ان نعرف سبب غضبه. فهو يتهم واشنطن قبل اربع سنوات بأنها وراء مؤامرة الحرس الرئاسي الذي قام حينها بخطفه من القصر وسجنه. شافيز حرر بعد ايام من معتقله، عندما هبت مظاهرات عارمة عمت العاصمة التي عارض اهلها الانقلاب. تدخل الجيش وأعاده الى الحكم في انتصار سياسي باهر. ومنذ تلك الساعة وشافيز يوجه جل نشاطه وأحاديثه لمحاربة عدوه الوحيد في انحاء العالم. ووجد فيه زعماء خبثاء صيدا ثمينا، فاخترعوا له مشاريع لينفق عليها اموال شعبه، مثل عمدة لندن الاحمر. فالعمدة ما فتئ يصرح ضد واشنطن حتى كافأه شافيز بثلاثين مليون دولار، وسط استغراب مواطنيه وسخرية الآخرين. ولم يعد شافيز يحتمل سخرية مواطنيه فقرر تكميم اعلام كراكاس، المدينة التي خرجت من اجل اطلاق سراحه. يحاول الآن منع الصحافة من نقده لأنها تتهمه بجنون العظمة، وحب الانتقام، على حساب مواطنيه. ولهم الحق فميزانية بريطانيا 970 مليار دولار، اما فنزويلا فخمسون مليار دولار وحسب.

هل تبدو لكم القصة غريبة؟ لا، أبدا فالقصة مألوفة في منطقتنا، مثل حكايات كليلة ودمنة.

[email protected]