سوريا هاجمت السعودية للتحكم مجددا بالوضع في لبنان

TT

إنه موسم اطلاق مختلف انواع الصواريخ، ويهدف مطلقوها الى إثارة قلق المنطقة من أجل تثبيت اهدافهم ومواقعهم في لبنان. مع «الاحتفالات» التي انتشرت بمناسبة الذكرى الاولى للحرب بين اسرائيل و«حزب الله»، ألقى الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله ثلاثة خطابات بثت في بعلبك وبنت جبيل والضاحية الجنوبية من بيروت، واللافت انه لم يلق اياً منها بشكل شخصي امام المحتشدين، بل عبر شاشات كبيرة.

في هذه الخطابات ركز الامين العام على كمية الصواريخ التي صار يملكها الحزب، الامر الذي اثار رعباً بين اللبنانيين، على اساس: الى اين يريد السيد نصر الله ان يأخذ لبنان؟ لكن مع الخطاب الثاني، لاحظ اللبنانيون، ان عدداً كبيراً من المحسوبين انهم من حلفاء الحزب ويجب بالتالي ان يعبّروا عن نشوتهم بما سمعوه من الامين العام للحزب، فضلوا الظهور على محطات تلفزيونية تابعة لـ«الحزب» او مؤيدة له، ليشنوا هجوماً على المملكة العربية السعودية وعلى السفير السعودي لدى لبنان عبد العزيز خوجه. ترافق هجومهم مع الأنباء التي ذكرت انه تم تجميد المبادرة الفرنسية، التي قيل انها كانت تسعى الى عقد مؤتمر اقليمي ـ دولي لحل مشكلة لبنان، تشارك فيه سوريا.

ايضاً جاء هجومهم بعد المؤتمر الامني لبحث الوضع في العراق الذي عقد في سوريا وقاطعته السعودية. ومن بين ما قاله بعض «المعتمدين» اللبنانيين، ان السفير السعودي والسفير الاميركي جيفري فيلتمان الوحيدان اللذان يتحركان ويعملان على نشر الفرقة بين الاطراف اللبنانية والعمل على منع لقائها، ولم يلفتهم انه لو كان هناك سفير سوري في لبنان لربما قلّت المشاكل، وقالوا كذلك، انه «بلغهم» ان المؤتمر الدولي الذي دعا اليه الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش لبحث المشكلة الفلسطينية، سيُعقد فقط لتوفير المناسبة لالتقاط صورة المصافحة بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت. ثم جاء الرابع عشر من الشهر موعد الخطاب الاخير للسيد نصر الله، حيث قال انه أعد لإسرائيل «مفاجأة» ستغير وجه المنطقة. وهذه الـ«مفاجأة» كانت مفاجئة للبنانيين الذين «اقتنع» بعضهم بأن «حزب الله» صار يملك اسلحة نووية (!) فزاد الذعر في صفوفهم وهم لم يرمموا بعد ما سببته حرب الحزب السنة الماضية. لكن، قد تكون «المفاجأة»، امتلاك الحزب اسلحة كيماوية، وحسب معلومات مطلعة، فان فكرة تجربة السلاح الكيماوي راودت مسؤولين عسكريين ايرانيين من الحرس الثوري ومسؤولين سوريين العام الماضي، كانوا يسعون الى دفع «حزب الله» لاستعمال صواريخ «زلزال» المزودة برؤوس كيماوية، على نطاق محدود، ولذلك ركز الطيران الاسرائيلي في الايام الاولى من الحرب على قصف تلك الصواريخ وقواعدها، بعدما وصلتهم اخبار مؤكدة ان «حزب الله» يخطط لاستعمال رؤوس كيماوية.

وتقول المعلومات، ان السيد نصر الله كان في دمشق قبل ايام معدودة من هجوم 12 تموز (يوليو) الماضي، وعبّر عن قلقه من احتمال ان يكون رد اسرائيل غزواً للبنان، اذا ما اعطى الامر للقيام بعملية خطف الجنود. لكن السوريين وضباط الحرس الثوري ـ قوات القدس عرضوا عليه أن يكون رده عند ذاك اطلاق صواريخ مجهزة برؤوس كيماوية، وسيكون وقعها مدوياً لأن الاسرائيليين لن يكونوا عندها مزودين بأقنعة واقية من الغاز. وعندما انفجر الصراع، دمر الطيران الاسرائيلي صواريخ «زلزال» الايرانية وأفشل تجربة الكيماوي. أمران لافتان حصلا بعد كشف السيد نصر الله عن الـ«مفاجأة»، الاول: كان الهجوم «الصاروخي» الذي شنه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على السعودية، فأدرك عندها اللبنانيون معنى الهجوم التمهيدي الذي بدأه «المعتمدون». والثاني: اعلان واشنطن انها تفكر بوضع الحرس الثوري الايراني على قائمة المنظمات الارهابية.

يعرف القاصي والداني انه منذ انشائه في بداية الثمانينات، يدين «حزب الله» في تسليحه وتدريبه وتمويله الى «الحرس الثوري الايراني». وخلال الحرب العام الماضي، ساعد ضباط من الحرس مقاتلي الحزب، وعملوا على الابقاء على خطوط الامدادات العسكرية عبر سوريا، مفتوحة. ويبدو ان «مفاجأة» السيد نصر الله المنتظرة، كان لها دور اساسي في التفكير الاميركي الذي قد يتحول الى فعل الشهر المقبل.

ان مجرد هذا التفكير كان ضربة نفسية لإيران لأنه يمس شرعيتها كنظام، كما انه اربك سوريا، ثم جاء اعلان وزير خارجية هولندا ماكسيم فيرهاجن ليؤكد ان بلاده مستعدة لاستضافة المحكمة الدولية، التي ستحاكم قتلة الرئيس رفيق الحريري. ويُذكر انه في عام 2005 تسرب من مسودة التقرير الذي اعده القاضي ديتليف ميليس للامم المتحدة، عن تورط خمسة من كبار المسؤولين السوريين في العملية، والشهر الماضي اشار القاضي سيرج براميرتز الى ان فريقه صارت لديه اسماء عدد من الاشخاص قاموا بدور في العملية، وأسماء عدد آخر شاركوا في عمليات اغتيال اخرى ارتكبت في لبنان.

... وأطل السيد فاروق الشرع بتصريحاته المدوية ضد السعودية «المشلولة» و«المستكينة». اللبنانيون جميعاً ـ الحكومة والمعارضة ـ ادركوا أبعاد هذا التصريح، ذلك ان المستقبل السياسي للشرع يعتمد على ايصال رئيس لبناني تختاره سوريا، بحيث تؤكد بقاء نفوذها الفعلي رغم انسحاب جيشها. ولا يستطيع الشرع ان يراهن كل مرة ويخسر الرهان، فهو قبل اغتيال رفيق الحريري قال: «ان السوريين باقون في لبنان لمدة سنتين»، ولم يمض شهران الا وكانت قواتهم قد انسحبت. الآن، هو قال: «ان اسرائيل تعرف اننا لا نرغب في الحرب، وان دمشق ستكون دائماً مستعدة للرد على اي هجوم اسرائيلي، لكن سوريا لن تبادر بأي هجوم».

في هذه الاثناء كان مسؤولون اتراك يقولون لإسرائيل ان عليها ان تفرّق ما بين سوريا وإيران، فالدولتان تختلفان حول القضايا الاقليمية «ثم ان تحقيق السلام مع سوريا سيكون اسهل من تحقيق السلام مع الفلسطينيين»! في بيانه «الصاروخي»، شن الشرع هجوماً على مبادرة الرئيس بوش، وقال ان سوريا لن تشارك حتى لو وجهت اليها الدعوة.

حتى الآن لم يجر توجيه الدعوات لأي طرف، ثم ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال في الاول من الشهر الجاري: ان سوريا مستعدة للمشاركة في مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط ترعاه الولايات المتحدة. وهو كرر ذلك اثناء زيارته الى الهند الاسبوع الماضي، عندما دعا الشركات الهندية للاستثمار في سوريا وإقامة المشاريع المشتركة والاستفادة «من مناخ الاستقرار والأمن الذي تتمتع به سوريا في ظل قيادة الرئيس بشار الاسد». ولسنا نعرف ما اذا كان المعلم يعلم انه اثناء وجوده في الهند، كان وفد من الزعماء الهنود المسلمين يجولون في اسرائيل لنشر رسالة السلام، كما قال رئيس الوفد مولانا جميل لياسي رئيس منظمة «كل الهند للائمة والمساجد» التي تضم 500 الف امام في كل الهند. ولسنا نعرف ما اذا كان فاروق الشرع، سيتهم مسلمي الهند ويبلغ عددهم 147 مليوناً بأنهم «عملاء» لإسرائيل، ام ان الهند ومسلميها لا يؤثرون طالما ان طريق سوريا الى لبنان، لا تمر عبر الهند او عبر ائمتها؟

من المؤسف ان تعمل سوريا على تحويل لبنان الى ساحة صراع بينها وبين السعودية، لكن يبدو ان دمشق مصرة على تفجير الوضع اكثر في لبنان، اذا لم تفرض نفوذها مجدداً عليه. هي اعتقدت بأنها استضافت لمدة يومين مؤتمراً حول الأمن في العراق، ان هذا يكفي لفك العزلة الدولية عنها والاعتراف بدورها في لبنان. ان دمشق تتطلع الى استعمال المفاوضات حول العراق للحصول على تنازلات سياسية في لبنان، وان تفك عزلتها عبر تطبيع العلاقات مع واشنطن. وقد يكون الدافع لهذا الاحساس معرفة النظام السوري بأن الولايات المتحدة وإسرائيل ترغبان ضمناً في الابقاء على نظام بشار الاسد، خوفاً من المجهول وبالذات من الاسلاميين (الاخوان المسلمون). وطالما ان النظام السوري لا يواجه خطراً محدقاً، فقد شعر الشرع بأن رفع وتيرة الاتهامات ضد السعودية ودورها في لبنان، سيدفع بواشنطن عبر كندا، الوسيط السري الآخر، الى الموافقة على الحصول على «الهدوء» في العراق مقابل اعادة تقديم لبنان على طبق من «فضة» حمراء هذه المرة، الى سوريا.

اللبنانيون يتوقعون الاسوأ في الاشهر المقبلة، ولا يستبعدون تفجيرات متنقلة واغتيالات تطال سياسيين وصحافيين ورجال اعمال ايضاً. فبعد ان عجزت نتائج حرب العام الماضي، وشل المؤسسات الحكومية، وضرب الاقتصاد عن تركيع جزء كبير من اللبنانيين، عاد تسريب احاديث عن تأجيل موعد الاستحقاق الرئاسي لفترة تتجاوز السنتين، لأن سوريا حسب وعود الشرع لرئيسه، ستظل تدفع باتجاه حكومة تطلق عليها حكومة وحدة وطنية وذلك حتى تتحكم حكومة الوحدة الوطنية هذه بالقرار الوطني والرئاسي ولو «قبل نصف ساعة من انتخاب الرئيس»، ليدخل لبنان بعدها الى المجهول. كما تحكّم «الوطنيون» من قبل بقرار الحرب.

هل ستجري الرياح بما تشتهي سفن فاروق الشرع؟ بسبب جهوده لم تعد هناك من دولة عربية لها علاقات طبيعية مع كل الدول العربية، على علاقة بدمشق كي تكون وسيط خير، ويبدو ان المؤتمر حول العراق الذي عقد في سوريا لم يقنع الاميركيين، رغم ما تبذله دمشق من جهود إن كان في انفتاح رئيسها على السلام مع اسرائيل، او في محاول جذب الاهتمام الاميركي بدورها «المحوري». ففي مقال نشره في «الوول ستريت جورنال» في العشرين من هذا الشهر، كتب جوزيف ليبرمان (السناتور الديموقراطي المستقل عن كونكتيكت) مقالاً بعنوان: «سوريا وكالة سفريات القاعدة»، قال فيه: «عندما ينعقد الكونغرس الشهر المقبل، يجب علينا ابلاغ النظام السوري، كما ابلغنا الشهر الماضي النظام الايراني، بأن عبور انتحاريي القاعدة من سوريا الى العراق غير مقبول ويجب ان يتوقف».

ستكون هناك عودة الى «الغزل» الروسي لسوريا وابعاده، لكن هذا لا يلغي، انه والعراق يكاد يسقط في الحضن الايراني، ستلجأ سوريا الى «كل شيء»، لاستعادة نفوذ قوي في لبنان، وسيكون هناك بالمرصاد، لبنانيون، والسعودية والمجموعة الاوروبية، والولايات المتحدة والأمم المتحدة و... المحكمة الدولية. ونرجو ألا تعود تلك الايام التي كان فيها اللبناني متهماً بأنه مع اسرائيل اذا لم يكن مع سوريا!