النجاح السعودي

TT

بعض الناس يتحدثون عن أعمالهم، بينما أناس آخرون تتحدث عنهم أعمالهم.. وما بين هؤلاء وأولئك ما بين السماء والأرض، او ما بين الثرى والثريا، إذ يصدق فيمن تتحدث عنهم أعمالهم قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم «وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى)، بينما ينال الآخرينَ قولُ الله تعالى «لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم).

حين نتأمل خارطة المواقف تجاه القضية الفلسطينية نجد المملكة العربية السعودية من أولئك الذين تتحدث عنهم مواقفهم ومآثرهم، حتى لو كفوا هم ألسنتهم عن ذكرها، ومهما حاول البعض ان يغطي شمسهم بغربال عاجز.. فمنذ أن كانت القضية الفلسطينية كانت السعودية حاضرة بجنودها الذين قضى عديد منهم فوق الثرى الفلسطيني المبارك، ومع تداعي الأيام والسنين ظلت السعودية حاضرة في عمق القضية الفلسطينية، دعما وإسنادا، ماديا ومعنويا، للشعب الفلسطيني ولقيادته الشرعية في وجه كل الملمات، وأمام مختلف الخطوب، ما يجعل أية مزايدات على الموقف السعودي تبدو كما لو كانت نطحة ثور أحمق في صخرة صلدة صماء.

إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وان من الوفاء ومن الاعتراف بالفضل لأهله أن نذكر بالشكر ما قدمته المملكة العربية السعودية للشعب الفلسطيني، وخصوصا منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ مثلت أول وأكبر المانحين لمشاريع البناء والتعمير والإسناد للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، قبل أن تنجح هي بالذات في جمع الفلسطينيين على مائدة الوفاق الوطني في اتفاق مكة، الذي ولدت من رحمه أول حكومة وطنية فلسطينية، كان يمكن لها أن تشكل رافعة قوية وحقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني لولا الانقلابُ الذي نفذته حماس.

لا أتخيل أن الموقف السعودي في فلسطين بحاجة إلى من يدافع عنه، ولكنه الوفاء لمن له الفضل، ولمن إذا ما تحرك وضع نقاطا كبيرة وبارزة وقوية، فوق حروف المعادلة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها، في مواجهة محاولات فرض الهيمنة أو تنازع المصالح في المنطقة العربية بأسرها، تارة باستخدام إسرائيل، وأخرى باستخدام أوراق داخلية، فهل ينبغي أن تدفع السعودية ثمن أنها اختارت، وبكل شجاعة ومسؤولية، أن تقفز من فوق كل ركام التردي الذي يشهده الواقع العربي، وان تتجاوز كل حواجز هذا الواقع المر، باتجاه إعادة صياغة المواقف العربية، على قاعدة الوحدة وجمع الصف؟! هل ينبغي أن تدفع السعودية ثمن نجاحها في بناء اتفاق مكة بين الفلسطينيين، وإقامة أول حكومة وحدة وطنية فلسطينية؟!.

لماذا يهاجمون السعودية بالذات؟ ولماذا بعد نجاحها في إبرام اتفاق مكة بالتحديد؟ ببساطة لأن ذلك النجاح السعودي شكل صدمة من العيار الثقيل ليس لإسرائيل وحلفائها فقط، بل ولأطراف إقليمية راهنت وما زالت تراهن على إرباك الساحة الفلسطينية، من أجل توظيف هذا الإرباك في حساباتها الخاصة، ولعل سبب الصدمة التي شعر بها هؤلاء وأولئك من النجاح السعودي يرجع إلى انه يصدر من المملكة العربية السعودية بالذات، وهي صاحبة مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، وهي التي تتمتع بعلاقات متميزة مع جميع أطراف المشهد الدولي، فوق أنها تحظى بمكانة رفيعة في العالمين العربي والإسلامي، باعتبارها مهد الرسالة الإسلامية، وأرض الحرمين الشريفين، وصاحبة الجهد الخارق في نشر الدعوة الإسلامية، عبر عشرات المؤسسات، ومئات الدعاة الذين ترعى نشاطهم البناء في هذا المضمار، وهي بهذه المكانة المميزة تستطيع أن تقود جبهة قوية وفاعلة تتصدى لكل محاولات الهيمنة والاستقواء في المنطقة.

السعودية بالنسبة الينا ليست مجرد دولة شقيقة، بل هي تاريخ ننتمي إليه ونفخر به، وأرض البلد الأمين وطيبة الطيبة التي تحتضن أكرم الأنبياء والمرسلين، كما أنها السند والعون الذي لم يتأخر عنا يوما، ولا ينبغي لنا أن نتأخر عنها بكلمة حق هي أحق ان تقال!!.

* وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة سلام فياض